ذو الآيات الجلية والكرامات العلية علي بن أبي طالب سلام الله عليه ممن تسنم من تلك الدرجات أعلاها وفاز من تلك المقامات بأجلاها (1) وأسماها حتى ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه وسطع صبح الحق من أفق برهانه، فلاحت من وادى كماله اعلامه الزاهرة ولوحت إلى شرف قوته القدسية آياته الباهرة حتى لقد كفرت فيه طائفة لما (2) رأت من تلك الآيات (3) وزعمت أنه اله الأرض والسماوات، وفسقت الأخرى بمنابذته بغيا عليه وحسدا، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا (4)، وكان من جملة حكمه البالغة وشموسه البازغة (5) مائه من الكلم جمعت لطائف الحكم، انتخبها من كلماته الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ عفى الله عنه وكان ممن استجمع فضيلتي العلم والأدب وحكم بان كل كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب ولم يخصها من سائر حكمه (6) لمزيد جلاله بل لضمها (7) الوجازة إلى الجزالة ثم اتفق اتصالي بمجلس الصاحب المعظم ملك وزراء العالم العالم العادل ذي النفس القدسية والرياسة الانسية شهاب الدنيا والدين مسعود بن كرشاسف ضاعف الله جلاله وادام اقباله فألفيته منخرطا في سلك الروحانيات معرضا عن الأجسام والجسمانيات موليا بوجهه شطر القبلة الحقيقية متلقيا بقوته العقلية اسرار المباحث اليقينية (8)، أحظى جلسائه لديه من نطق بحكم وأكرمهم عليه من حاوره في علم، أحببت أن أتحف حضرته العلية بكشف أستار بعض (9) تلك الكلمات ورموزها وابراز (10) ما ظهر لي من دفائنها وكنوزها، وشرعت في ذلك معتصما بالله وملتمسا للعذر ممن عثر لي على هفوة (11) واطلع منى على زلة فانى مع قصور استعدادي عن درك هذا المقام أحوالي الحاضرة جارية على غير نظام، وعلى الله قصد السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل.
(٢)