ترك للمانع لا ايجاد للمقتضى كما لا يخفى.
ومن هنا تعرف ان أدلة لا ضرر لا تشمل هذا الترك رأسا لعدم موضوع له هنا فلا يحتاج إلى القول بانصرافها بقرينة ورودها مورد الامتنان كما يظهر من بعض كلماتهم، لأن ذلك فرع وجود الموضوع والمقتضى لها وقد عرفت عدمه في المقام. هذا بالنسبة إلى المسألة الأولى.
واما المسألة الثانية وهو تحمل الضرر بنفسه لدفعه عن غيره، كما إذا توجه السيل بحسب أسبابه الطبيعية نحو الغير فدفعه إلى داره حفظا لدار الغير عن الضرر، فقد عرفت انه لا دليل يقتضى وجوبه ولو بالاطلاق كي يحتاج إلى نفيه بقاعدة نفى الضرر أو قاعدة نفى الحرج، فالقاعدة أجنبية عنه، والمرجع فيه هو البراءة، نعم لو كان هناك عموم أو اطلاق يقتضى وجوبه أمكن التمسك بالقاعدة على نفيه.
بقي في المقام (مسألة الاضرار بالغير عند الاكراه)، كالتولي من قبل الجائر مكرها إذا استلزم اضرارا وظلما على بعض العباد، الذي صرح الشيخ (قده) بجوازه في مقامات مختلفة، مدعيا ان الضرر بحسب طبعه الأولى وإرادة المكره (بالكسر) متوجه نحو الغير فلا يجب ترك الاضرار به وتحمله عنه فهو عنده من صغريات المسألة السابقة، وقد تبعه على هذا المعنى كثير من متأخريه.
ولكن ما ذكره ممنوع جدا لأنا نمنع من اندراجه تحت تلك المسألة، بيان ذلك: ان الضرر في هذه الموارد إنما يتوجه نحو الغير من ناحية فعل المكره (بالفتح) فمع قطع النظر عن فعله لا يتوجه إليه شئ، وان شئت قلت: مسألة عدم وجوب تحمل الضرر عن الغير إنما هو في المواطن التي يكون مقتضى الضرر بحسب أسبابه الطبيعية والخارجية مع قطع النظر عن فعل هذا المكلف موجودا ومتوجها نحو الغير، ولكن مكلفا آخر يقدر على ايجاد المانع عن تأثيره بتوجيه الضرر إلى نفسه، وفى باب الاكراه ليس الامر كذلك، فإن الضرر بحسب أسبابه الطبيعية والخارجية لم يتوجه نحو الغير، وإنما يتوجه إليه بسبب إرادة المكره (بالفتح).