أقول: وما نقله عن السبكي مأخوذ من حديث إن المسافر إذا أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه رواه عبد الرزاق، ومقتضاه وجو ب الجهر عليه، لكن قدمنا في باب الاذان التصريح عن التاترخانية بأن حكمه حكم المنفرد في الجهر والمخافتة، وبه يعلم أنه يحنث بحلفه أنه صلى بالجماعة عندنا، ولا سيما والايمان مبنية على العرف عندنا، وهو منفرد، عرفا وشرعا، وإلا لاخذ أحكام الامام على أنه مر في الفصل السابق أنه لا يلزمه الجهر إلا إذا نوى الإمامة، وكذا مر في شروط الصلاة أنه لا يحنث في: لا يؤم أحدا ما لم ينو الإمامة، وليس في الحديث التصريح بالاقتداء به وإن كان المراد ذلك، فلعل انعقاد الجماعة باقتداء الملائكة والجن إنما يستلزم أحكامها إذا كانوا على صورة ظاهرة، ولهذا لو جامع جني امرأة ووجدت لذة لا يلزمها الاغتسال كما في الخانية، إلا إذا أنزلت كما في الفتح أو جاءها على صورة آدمي كما في الحلية، وكذا يقال في إمامة الجني، والله أعلم. قوله: (قال في البحر الخ) وقال في النهر: هو أعدل الأقوال وأقواها، ولذا قال في الأجناس: لا تقبل شهادته إذا تركها استخفافا ومجانة، إما سهوا، أو بتأويل ككون الامام من أهل الأهواء، أو لا يراعي مذهب المقتدي فتقبل ا ه ط. قوله: (ثمرته الخ) هذا بناء على تحقيق الخلاف، أما على ما مر عن الزاهدي فلا خلاف. قوله: (بتركها مرة) أي بلا عذر، وهذا عند العراقيين، وعند الخراسانيين إنما يأثم إذا اعتاده كما في القنية، وقد مر. قوله:
(البالغين) قيد به لان الرجل قد يراد به مطلق الذكر بالغا أو غيره، كما في قوله تعالى: * (فإن كانوا إخوة رجالا) * (النساء: 671) وكما في حديث ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت فلاولى رجل ذكر ولذا قيد بذكر، لدفع أن يراد به البالغ بناء على ما كان في الجاهلية من عدم توريثهم إلا من استعد للحرب دون الصغار، فافهم. قوله: (الأحرار) فلا تجب على القن، وسيأتي في الجمعة لو أذن له مولاه وجبت، وقيل يخير، ورجحه في البحر ا ه. قلت: وينبغي جريان الخلاف هنا أيضا. تأمل.
قوله: (من غير حرج) قيد لكونها سنة مؤكدة أو واجبة، فبالحرج يرتفع الاثم ويرخص في تركها ولكنه يفوته الأفضل بدليل أنه عليه الصلاة والسلام قال لابن أم مكتوم الأعمى لما استأذنه في الصلاة في بيته ما أجد لك رخصة قال في الفتح: أي تحصل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها لا الايجاب على الأعمى، لأنه عليه الصلاة والسلام رخص لعتبان بن مالك في تركها ا ه. لكن في نور الايضاح: وإذا انقطع عن الجماعة لعذر أعذرها وكانت نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها ا ه. والظاهر أن المراد به العذر المانع كالمرض والشيخوخة والفلج، بخلاف نحو المطر والطين والبرد والعمى. تأمل. قوله: (ولو فاتته ندب طلبها) فلا يجب عليه الطلب في المساجد بلا خلاف بين أصحابنا، بل إن أتى مسجدا للجماعة آخر فحسن، وإن صلى في مسجد حيه منفردا فحسن. وذكر القدوري: يجمع بأهله ويصلي بهم، يعني وينال ثواب الجماعة، كذا في الفتح.
واعترض الشرنبلالي بأن هذا ينافي وجوب الجماعة. وأجاب ح بأن الوجوب عند عدم الحرج، وفي تتبعها في الأماكن القاصية حرج لا يخفى، مع ما في مجاوزة مسجد حيه من مخالفة قوله (ص) لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ا ه. وفيه أن ظاهر إطلاقه الندب ولو إلى مكان قريب، وقوله مع ما في مجاوزة الخ. قد يقال: محله فيما إذا كان فيه جماعة، ألا ترى أن مسجد الحي