وبه أفتى ابن عمر وهو أصل في نفي كل من يتأذى به. ولا يبعد أن يعذر المعذور، بأكل ما له ريح كريهة، لما في صحيح ابن حبان عن المغيرة بن شعبة قال: انتهيت إلى رسول الله (ص) فوجد مني ريح الثوم، فقال: من أكل الثوم؟ فأخذت يده فأدخلتها فوجد صدري معصوبا، فقال: إن لك عذرا وفي رواية الطبراني في الأوسط اشتكيت صدري فأكلته وفيه فلم يعنفه (ص) وقوله (ص) وليقعد في بيته صريح في أن أكل هذه الأشياء عذر في التخلف عن الجماعة. وأيضا هنا علتان: أذى المسلمين وأذى الملائكة، فبالنظر إلى الأولى يعذر في ترك الجماعة وحضور المسجد، وبالنظر إلى الثانية يعذر في ترك حضور المسجد ولو كان وحده ا ه ملخصا.
أقول: كونه يعذر بذلك ينبغي تقييده بما إذا أكل ذلك بعذر أو أكل ناسيا قرب دخول وقت الصلاة، لئلا يكون مباشرا لما يقطعه عن الجماعة بصنعه. قوله: (وكل عقد) الظاهر أن المراد به عقد مبادلة ليخرج نحو الهبة. تأمل. وصرح في الأشباه وغيرها بأنه يستحب عقد النكاح في المسجد، وسيأتي في النكاح. قوله: (بشرطه) وهو أن لا يكون للتجارة، بل يكون ما يحتاجه لنفسه أو عياله بدون إحضار السلعة. قوله: (بأن يجلس لأجله) فإنه حينئذ لا يباح بالاتفاق، لان المسجد ما بني لأمور الدنيا. وفي صلاة الجلابي: الكلام المباح من حديث الدنيا يجوز في المساجد، وإن كان الأولى أن يشتغل بذكر الله تعالى، كذا في التمرتاشي هندية. وقال البيري ما نصه: وفي المدارك * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * المراد بالحديث: الحديث المنكر لما جاء الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش انتهى. فقد أفاد أن المنع خاص بالمنكر من القول، أما المباح فلا. قال في المصفى: الجلوس في المسجد للحديث مأذون شرعا، لان أهل الصفة كانوا يلازمون المسجد، وكانوا ينامون، ويتحدثون، ولهذا لا يحل لاحد منعه، كذا في الجامع البرهاني.
أقول: يؤخذ من هذا أن الامر الممنوع منه إذا وجد بعد الدخول بقصد العبادة لا يتناوله ا ه.
قوله: (الاطلاق أوجه) بحث مخالف للمنقول مع ما فيه من شدة الحرج ط. قوله: (وتخصيص مكان لنفسه) لأنه يخل بالخشوع، كذا في القنية: أي لأنه إذا اعتاده ثم صلى في غيره يبقى باله مشغولا بالأول، بخلاف ما إذا لم يألف مكانا معينا. قوله: (وليس له الخ) قال في القنية: له في المسجد موضع معين يواظب عليه، وقد شغله غيره. قال الأوزاعي: له أن يزعجه، وليس له ذلك عندنا ا ه أي لان المسجد ليس ملكا لاحد، بحر عن النهاية.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا لم يقم عنه على نية العود بلا مهلة، كما لو قام للوضوء مثلا، ولا سيما إذا وضع فيه ثوبه لتحقق سبق يده تأمل.
مطلب: فيمن سبقت يده إلى مباح وفي شرح السير الكبير للسرخسي: وكذا كل ما يكون المسلمون فيه سواء كالنزول في الرباطات، والجلوس في المساجد للصلاة، والنزول بمنى أو عرفات للحج، حتى لو ضرب فسطاطه في مكان كان ينزل فيه غيره فهو أحق، وليس للآخر أن يحوله، فإن أخذ موضعا فوق ما