مطلب في السنة وتعريفها والسنة نوعان: سنة الهدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة ونحوها، وسنة الزوائد وتركها لا يوجب ذلك، كسير النبي عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده.
والنفل، ومنه المندوب يثاب فاعله ولا يسئ تاركه، قيل وهو دون سنن الزوائد.
ويرد عليه أن النفل من العبادات وسنن الزوائد من العادات، وهل يقول أحد إن نافلة الحج دون التيامن في التنعل والترجل؟. كذا حققه العلامة ابن الكمال في تغيير التنقيح وشرحه.
أقول: فلا فرق بين النفل وسنن الزوائد من حيث الحكم لأنه لا يكره ترك كل منهما، وإنما الفرق كون الأول من العبادات والثاني من العادات، لكن أورد عليه أن الفرق بين العبادة والعادة هو النية المتضمنة للاخلاص كما في الكافي وغيره، وجميع أفعاله (ص) مشتملة عليها كما بين في محله.
وأقول: قد مثلوا لسنة الزوائد أيضا بتطويله عليه الصلاة والسلام القراءة والركوع والسجود، ولا شك في كون ذلك عبادة، وحينئذ فمعنى كون سنة الزوائد عادة أن النبي (ص) واظب عليها حتى صارت عادة له ولم يتركها إلا أحيانا، لان السنة هي الطريقة المسلوكة في الدين، فهي في نفسها عبادة وسميت عادة لما ذكرنا. ولما لم تكن من مكملات الدين وشعائره سميت سنة الزوائد، بخلاف سنة الهدى وهي السنن المؤكدة القريبة من الواجب التي يضلل تاركها، لان تركها استخفاف بالدين، وبخلاف النفل فإنه كما قالوا: ما شرع لنا زيادة على الفرض والواجب والسنة بنوعيها، ولذا جعلوا قسما رابعا وجعلوا منه المندوب والمستحب، وهو ما ورد به دليل ندب يخصه كما في التحرير، فالنفل: ما ورد به دليل ندب عموما أو خصوصا ولم يواظب عليه النبي (ص)، ولذا كان دون سنة الزوائد كما صرح به في التنقيح. وقد يطلق النفل على ما يشمل السنن الرواتب، ومنه قولهم باب الوتر والنوافل، ومنه تسمية الحج نافلة لان النفل الزيادة وهو زائد على الفرض، مع أنه من شعائر الدين العامة، ولا شك أنه أفضل من تثليث غسل اليدين في الوضوء ومن رفعهما للتحريمة مع أنهما من السنن المؤكدة فتعين ما قلنا، وبه اندفع ما أورده ابن الكمال، فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب. قوله: (أفاد الخ) حيث ذكر السنن عقب الأركان هنا وفي الغسل ولم يذكر لهما واجبا، ولو لم يكن كلامه مفيدا ذلك لقدم ذكر الواجب على السنن لأنه أقوى، فمقتضى الصناعة تقديمه. وأراد بالواجب ما كان دون الفرض في العمل، وهو أضعف نوعي الواجب، لا ما يشمل النوع الآخر وهو ما كان في قوة الفرض في العمل، لان غسل المرفقين والكعبين ومسح ربع الرأس من هذا النوع الثاني، وكذا غسل الفم والأنف في الغسل، لان ذلك ليس من الفرض القطعي الذي يكفر جاحده. تأمل. ثم رأيت التصريح بذلك في شرح الدر للشيخ إسماعيل. واحترز بقوله للوضوء وللغسل عن نفس الوضوء والغسل، فإن الوضوء يكون فرضا وواجبا وسنة ونفلا كما قدمه الشارح، وكذا الغسل على ما يأتي في محله.
قوله: (وجمعها) أي السنن حيث أتى بها بصيغة الجمع ولم يأت بها مفردة كما قال في الكنز وسنته.
قوله: (مستقلة بدليل وحكم) قال ابن الكمال: أما الأول فظاهر عند من تأمل في الهداية وسائر