الكافي وجوب الصلاة في كل مجلس كسجود التلاوة حيث قال في باب التلاوة: وهو كمن سمع اسمه عليه الصلاة والسلام مرارا لم تلزمه الصلاة إلا مرة في الصحيح، لان تكرار اسمه (ص) لحفظ سنته التي بها قوام الشريعة، فلو وجبت الصلاة بكل مرة لأفضى إلى الحرج، غير أنه يندب تكرار الصلاة بخلاف السجود، والتشميت كالصلاة، وقيل يجب التشميت في كل مرة إلى الثلاث ا ه.
وحاصله أن الوجوب يتداخل في المجلس فيكتفي بمرة للحرج كما في السجود. إلا أنه يندب تكرار الصلاة في المجلس الواحد، بخلاف السجود. وما ذكره في الكافي نقله صاحب المجمع في شرحه عن شرح فخر الاسلام على الجامع الكبير جازما به، لكن بدون لفظ التصحيح، وأنت خبير بأن تصحيح الزاهدي لا يعارض تصحيح النسفي صاحب الكافي، على أن الزاهدي خالف نفسه حيث قال في كراهية القنية: وقيل يكفي في المجلس مرة كسجدة التلاوة، وبه يفتى ا ه. وأورد الشارح في الخزائن أن الذي يظهر أن ما في الكافي مبني على قول الكرخي ا ه. وهذا غير ظاهر، لأنه يلزم منه أن يكون الكرخي قائلا بوجوب التكرار كلما ذكر، إلا في المجلس المتحد فيجب مرة واحدة، وأنه لا يبقى الخلاف بينه وبين الطحاوي إلا فيما إذا اتحد المجلس، والمنقول خلافه. وأورد ابن ملك في شرح لمجمع أن التداخل يوجد في حق الله تعالى والصلاة على النبي (ص) حقه ا ه. وقد يمنع بأن الوجوب حق الله تعالى لان المصلي ينوي امتثال الامر.
مطلب: هل نفع الصلاة عائد للمصلي، أم له وللمصلى عليه؟
على أن المختار عند جماعة منهم أبو العباس المبرد وأبو بكر بن العربي: أن نفع الصلاة غير عائد له (ص) بل للمصلي فقط، وكذا قال السنوسي في شرح وسطاه: إن المقصود بها التقرب إلى الله تعالى لا كسائر الأدعية التي يقصد بها نفع المدعو له ا ه. وذهب القشيري والقرطبي إلى أن النفع لهما، وعلى كل من القولين فهي عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، والعبادة لا تكون حق عبد، ولو سلم أنها حق عبد فيسقط الوجوب للحرج كما مر، لان الحرج ساقط بالنص، ولا حرج في إبقاء الندب. وقد جزم بهذا القول أيضا المحقق ابن الهمام في زاد الفقير فقال: مقتضى الدليل افتراضها في العمر مرة، وإيجابها كلما ذكر، إلا أن يتحد المجلس فيستحب التكرار بالتكرار، فعليك به اتفقت الأقوال أو اختلفت ا ه. فقد اتضح لك أن المعتمد ما في الكافي. وسمعت قول القنية: إنه به يفتى، وأنت خبير بأن الفتوى آكد ألفاظ التصحيح.
فرع: السلام يجزي عن الصلاة على النبي (ص) هندية عن الغرائب قوله: (لا لان الامر إلخ) مرتبط بقوله والمختار تكراره إلخ وهو جواب عن سؤال - تقريره أن قوله تعالى: * (صلوا عليه) * (الأحزاب: 65) أمر. والأصل أن الامر عندنا لا يقتضي التكرار ولا يحتمله. والجواب أن التكرار لم يجب بالآية، وإلا كان فرضا وخالف الأصل المذكور، وإنما وجب بأحاديث الوعيد الآتية الدالة على سببية الذكر للوجوب والوجوب يتكرر بتكرار سببه. قوله: (لأنها حق عبد) علمت آنفا ما فيه. قوله:
(كالتشميت) ظاهره أنه يقضي كالصلاة وحرره نقلا، وقدمنا عن الكافي أنه الصلاة يجب في المجلس مرة، وقيل إلى ثلاث، ومثله في الفتح والبحر. وفي شرح تلخيص الجامع: الأصح أنه إن زاد على الثلاث لا يشمته، وإنما يجب التشميت إذا حمد العاطس، وسيأتي تمام الكلام عليه في باب