الصلاة ثلاث مرات إلى غير القبلة يقينا، وهو منهي عنه، وترك المنهي مقدم على فعل المأمور، ولذا يصلي بالنجاسة إذا لزم من غسلها كشف العورة عند الأجانب، على أن المأمور به هنا ساقط لان التوجه إلى القبلة إنما يؤمر به عند القدرة عليه وقبلة المتحري هي جهة تحريه. ولما لم يقع تحريه على شي استوت في حقه الجهات الأربع فيختار واحدة منها ويصلي إليها، وتصح صلاته وإن ظهر خطؤه فيها، لان أتى بما في وسعه. وهذا الوجه يقوي القول الأخير وهو التخيير على المعنى الذي ذكرناه عن القهستاني، ويضعف ما اختاره الشارح وادعى أنه الاحتياط، فتدبر ذلك بإنصاف. وللقول الأول الذي اختاره الكمال في زاد الفقير وجه ظاهر أيضا. وهو أنه لما كانت القبلة عند عدم الدليل عليها هي جهة التحري ولم يقع تحريه على شئ صار فاقد الشرط صحة الصلاة فيؤخرها كفاقد الطهورين.
لكن القول الأخير وهو وجوب الصلاة في الوقت مع التخيير إلى أي جهة شاء أحوط كما لو وجد ثوبا أقل من ربعه طاهر ولعموم قوله تعالى: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * (البقرة: 511) فإنه قيل نزل في مسألة اشتباه القبلة، وظاهر ما قدمناه عن القهستاني اختياره وبه يشعر كلام البحر، وهو مذهب الشافعية والحنابلة كما مر.
مطلب: إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالأرجح الأول أو الثالث لا الوسط وقدمناه أول الكتاب عن المستصفى أنه إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالأرجح الأول أو الثالث لا الوسط، والله أعلم. قوله: (استدار) قال في شرح المنية: واختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه في الثالثة أو الرابعة إلى الجهة الأولى: قيل يتم الصلاة، وقيل يستقبل، كذا في الخلاصة، والأول أوجه ا ه، ولذا قدمه في الخانية لأنه يقدم الأشهر، وجزم به القهستاني وتبعه الشارح. قوله:
(استأنف) لأنه إن سجدها إلى الجهة الثانية فقد سجدها إلى غير قبلة لأنها جزء من الركعة الأولى والجهة الثانية ليست قبلة للركعة الأولى بجميع أجزائها، وإن سجدها إلى الجهة الأولى فقد انحرف عما هو قبلته الآن ا ه ح. قوله: (وإن شرع) الضمير راجع إلى العاجز: أي إذا اشتبهت عليه القبلة وعجز عن معرفتها بالأدلة المارة فقبلته جهة تحريه، فلو شرع بلا تحر لم تجز صلاته ما لم يتيقن بعد فراغه أنه أصاب القبلة، لان الأصل عدم الاستقبال استصحابا للحال، فإذا تبين يقينا أنه أصاب ثبت الجواز من الابتداء وبطل الاستصحاب، حتى لو كان أكبر رأيه أنه أصاب فالصحيح أنه لا يجوز كما في الحلية عن الخانية، ولو تيقن في أثناء صلاته لا يجوز خلافا لأبي يوسف، لان حاله بعد العلم أقوى وبناء القوي على الضعيف لا يجوز. قوله: (بخلاف الخ) أي لو وقع تحريه على جهة وصلى إلى غيرها فإنه يستأنف مطلقا: أي سواء علم أنه أصاب أو أخطأ في الصلاة أو بعدها أو لم يظهر شئ. وعن أبي حنيفة أنه يخشى عليه الكفر. وعن الثاني يجزيه إن أصاب، وبالأول يفتى. فيض. والفرق لهما أن ما فرض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله، لكن مع عدم اعتقاد الفساد وعدم الدليل عليه ومخالفة جهة