إلا أن عرق الحمار طاهر: أي من غير شك، لأنه (ص) ركب الحمار معروريا في حر الحجاز، والغالب أنه يعرق، ولم يرو أنه عليه الصلاة والسلام غسل بدنه أو ثوبه منه ا ه. ومعروريا حال من الفاعل، ولو كان من المفعول لقيل معروري، كذا في المغرب.
قلت: وليس المعنى أنه عليه الصلاة والسلام ركب وهو عريان كما يوهمه كلام النهر وغيره، إذ لا يخفى بعده، بل المراد أنه ركب حال كونه معروريا الحمار، فهو اسم فاعل من اعرورى المتعدي حذف مفعوله للعلم به، يقال اعرورى الفرس: ركبه عريا، فتنبه. قوله: (صار مشكلا) يعني صار الماء به مشكلا: أي في الظهورية، فيجمع بينه وبين التيمم كما في لعابه، ويجوز شربه من ذلك الماء كما في السراج. قوله: (وفي المحيط الخ) هذا مأخوذ من القهستاني، ونصه: وفي الزبدة أن عرق الجلالة كالحمار والبغل وغيرهما نجس. وفي قاضيخان أن عرقهما طاهر في ظاهر الرواية. وفي المحيط عن الحلواني: نجس لكنه عفو في البدن والثوب. وعن أبي حنيفة أن عرق الحمار نجاسة غليظة، وعنه أنه خفيفة ا ه. كلام القهستاني.
وحاصله أنه ذكر في عرق الحمار والبغل ثلاث روايات عن الامام كما صرح به في شرح المنية أنه طاهر، وهو ما قال قاضيخان إنه ظاهر الرواية وهي الرواية المشهورة كما قدمناه عن المنية. ونجس مغلظ. ونجس مخفف، وكلام الحلواني محتمل للأخيرتين إلا أنه أسقط حكم النجاسة في البدن والثوب، وقدمنا عن المنية تعليله بالضرورة: أي ضرورة ركوبه.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن الكلام في عرق الحمار والبغل لا في الجلالة، وأن ضمير عرقهما في عبارة القهستاني عن قاضيخان ضمير مثنى راجع إلى البغل والحمار. والظاهر أن نسخة القهستاني التي وقعت للشارح بضمير المفرد لا المثنى فأرجع الضمير إلى الجلالة وليس كذلك.
وقد راجعت عبارة قاضيخان فرأيتها بضمير التثنية العائد إلى ما ذكره قبله من البغل والحمار، ولم أرى فيها ذكر الجلالة أصلا، وكذا ما نقله في المحيط عن الحلواني ليس في الجلالة بل في البغل والحمار، بدليل ما قدمناه عن المنية من عبارة الحلواني، وهو المتعين في عبارة القهستاني بعد ضمير التثنية، وقد ذكرنا أحكام الجلالة عند قوله: وابل وبقر جلالة ونقلنا التصريح عن البقالي بأن عرقها نجس، وبه صرح الشارح في مسائل شتى آخر الكتاب، وهو محمول على التي أنتن لحمها كما قدمنا، فاغتنم هذا التحرير الذي هو من منح العليم الخبير، الحمد لله على نعمائة وتواتر آلائه.
باب التيمم قوله: (ثلث به) أي جعله ثالثا للوضوء والغسل: أي ذكره بعدهما اقتداء بالكتاب العزيز: أعني قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * (المائدة: 6) الآية، فإنه ثلث به فيها، وأيضا فهو خلف عنهما، والخلف يتبع الأصل. قوله: (وهو الخ) دليله قوله (ص): أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض وفي رواية: ولامتي