إباحته أو فعله عليه الصلاة والسلام فلا ينفع، وقد نص في التحرير على أن المباح يطلق على متعلق الإباحة الأصلية كما يطلق على متعلق الإباحة الشرعية. فالأحسن في الجواب أن يقال: المراد بقوله في التعريف ما ثبت ثبوت طلبه لا ثبوت شرعيته والمباح غير مطلوب الفعل وإنما هو مخير فيه.
قوله: (البداية) قيل الصواب البداءة بالهمزة فيه نظر، فقد ذكر في القاموس من اليائي: بديت بالشئ وبديت: ابتدأت ا ه: أي بفتح الدال وكسرها.
مطلب: الفرق بين النية والقصد والعزم قوله: (بالنية) بالتشديد وقد تخفف. قهستاني. وهي لغة: عزم القلب على الشئ، واصطلاحا كما في التلويح: قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل، ودخل فيه المنهيات. فإن المكلف به الفعل الذي هو كف النفس ثم العزم والقصد، والنية اسم للإرادة الحادثة، لكن العزم المتقدم على الفعل والقصد المقترن به والنية المقترن به مع دخوله تحت العلم بالمنوي، وتمامه في البحر.
مطلب: الفرق بين الطاعة والقربة والعبادة قوله: (أي نية عباده) الأولى التعبير بالطاعة ليشمل نحو مس المصحف، فقد ذكر شيخ الاسلام زكريا: أن الطاعة فعل ما يثاب عليه توقف على نية أو لا، عرف من يفعله لأجله أو لا.
والقربة: فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به وإن لم يتوقف على نية. والعبادة: ما يثاب على فعله ويتوقف على نية، فنحو الصلوات الخمس والصوم والزكاة والحج من كل ما يتوقف على النية: قربة وطاعة وعبادة، وقراءة القرآن والوقف والعتق والصدقة ونحوها مما لا يتوقف على نية:
قربة وطاعة لا عبادة، والنظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى طاعة لا قربة ولا عبادة ا ه. وقواعد مذهبنا لا تأباه. حموي. وإنما لم يكن النظر قربة لعد المعرفة بالمتقرب إليه لان المعرفة تحصل بعده ولا عبادة لعدم التوقف على النية. قوله: (لا تصح) الأولى لا تحل كما في الفتح ليشمل مثل مس المصحف والطواف ا ه. ح.
وفيه: أنه لو قصد مس المصحف لم يكن آتيا بالسنة، كما أنه لو تيمم له لم تجز له الصلاة به، فإن النية المسنونة في الوضوء هي المشروطة في التيمم، كذا في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي.
وبيانه أن الصلاة تصح عندنا بالوضوء ولو لم يكن منويا بخلاف التيمم، وإنما تسن النية في الوضوء ليكون عبادة، فإنه بدونها لا يسمى عبادة مأمورا بها كما يأتي وإن صحت به بالصلاة، بخلاف التيمم فإن النية شرط لصحة الصلاة به، فالنية في الوضوء شرط لكونه عبادة، وفي التيمم شرط لصحة الصلاة به، ولما لم تصح الصلاة بالتيمم المنوي به استباحة مس المصحف علم أن الوضوء المنوي بين ذلك ليس عبادة، لكن قد يقال: لا يلزم من عدم صحة الصلاة بالتيمم المذكور عدم كون ذلك الوضوء عبادة، لان صحة الصلاة أقوى، على أن طهارة التيمم ضرورية فيحتاط في شروطها، ولذا شرطوا في التيمم نية عبادة مقصودة، وظاهر كلامهم هنا أن كون العبادة مقصودة غير شرط في النية المسنونة للوضوء فيدخل مثل مس المصحف، والله تعالى أعلم. قوله: (كوضوء الخ) فيه أن الوضوء ورفع الحدث ليسا عبادة لعدم توقفهما على النية عندنا، بل هما قربة وطاعة كما علمت،