ترى أن المحاريب ما نصبت إلا وسط المساجد وهي قد عينت لمقام الامام ا ه. والظاهر أن هذا في الامام الراتب لجماعة كثيرة لئلا يلزم عدم قيامه في الوسط، فلو لم يلزم ذلك لا يكره. تأمل.
فرع: ذكر في البدائع في بحث الصلاة في الكعبة أن الأفضل للامام أن يقف في مقام إبراهيم. قوله: (وخير صفوف الرجال أولها) لأنه روي في الاخبار أن الله تعالى إذا أنزل الرحمة على الجماعة ينزلها أولا على الامام، ثم تتجاوز عنه إلى من بحذائه في الصف الأول، ثم إلى الميامن، ثم إلى المياسر، ثم إلى الصف الثاني وتمامه في البحر.
تنبيه: قال في المعراج: الأفضل أن يقف في الصف الآخر إذا خاف إيذاء أحد، قال عليه الصلاة والسلام: من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلما أضعف له أجر الصف الأول وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد، وفي كراهة ترك الصف الأول مع إمكانه خلاف ا ه: أي لو تركه مع عدم خوف الايذاء، وهذا لو قبل الشروع، فلو شرعوا وفي الصف الأول فرجة له خرق الصفوف كما سيأتي قريبا.
مطلب في جواز الايثار بالقرب وفي حاشية الأشباه للحموي عن المضمرات عن النصاب: وإن سبق أحد إلى الصف الأول فدخل رجل أكبر منه سنا أو أهل علم ينبغي أن يتأخر ويقدمه تعظيما له ا ه. فهذا يفيد جواز الايثار بالقرب بلا كراهة، خلافا للشافعية. وقال في الأشباه: لم أره لأصحابنا: ونقل العلامة البيري فروعا تدل على عدم الكراهة، ويدل عليه قوله تعالى * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * وما في صحيح مسلم من أنه عليه الصلاة والسلام أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه أصغر القوم، وهو ابن عباس، وعن يساره أشياخ، فقال عليه الصلاة والسلام للغلام: أتأذن لي في أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله، فأعطاه الغلام إذ لا ريب أن مقتضى طلب الاذن مشروعية ذلك بلا كراهة وإن جاز أقول: وينبغي تقييد المسألة بما إذا عارض تلك أن يكون غير أفضل ا ه القرية ما هو أفضل منها، كاحترام العلم والأشياخ، كما أفاده الفرع السابق والحديث، فإنهما يدلان على أنه أفضل من القيام في الصف الأول، ومن إعطاء الاناء لمن له الحق، وهو من على اليمين، فيكون الايثار بالقربة انتقالا من قربة إلى ما هو أفضل منها وهو الاحترام المذكور. أما لو آثره على مكانه في الصف مثلا من ليس كذلك يكون أعرض عن القربة بلا داع، وهو خلاف المطلوب شرعا، وينبغي أن يحمل عليه ما في النهر من قوله: واعلم أن الشافعية ذكروا أن الايثار بالقرب مكروه كما لو كان في الصف الأول، فلما أقيمت آثر به وقواعدنا لا تأباه ا ه.
مطلب في الكلام على الصف الأول تنبيه آخر: قال في البحر في آخر باب الجمعة: تكلموا في الصف الأول، قيل هو خلف الامام في المقصورة، وقيل ما يلي المقصورة، وبه أخذ الفقيه أبو الليث لأنه يمنع العامة عن الدخول في المقصورة فلا تتوصل العامة إلى نيل فضيلة الصف الأول ا ه.
أقول: والظاهر أن المقصورة في زمانهم اسم البيت فداخل الجدار القبلي من المسجد كان