أقول: ويؤيده ما قاله ابن العماد في هديته. قال في شرح المصابيح: وإنما يستحب الوضوء إذا صلى بالوضوء الأول صلاة، كذا في الشرعة والقنية ا ه. وكذا ما قاله المناوي في شرح الجامع الصغير للسيوطي عند حديث: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات من أن المراد بالطهر الوضوء الذي صلى به فرضا أو نفلا كما بينه فعل راوي الخبر وهو ابن عمر، فمن لم يصل به شيئا لا يسن له تجديده ا ه. ومقتضى هذا كراهته وإن تبدل المجلس ما لم يؤد به صلاة أو نحوها، لكن ذكر سيدي عبد الغني النابلسي أن المفهوم من إطلاق الحديث مشروعيته ولو بلا فصل بصلاة أو مجلس آخر ولا إسراف فيما هو مشروع، أما لو كرره ثالثا أو رابعا فيشترط لمشروعيته الفصل بما ذكر، وإلا كان إسرافا محضا ا ه، فتأمل.
مطلب: كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب قوله: (لا بأس به) لأنه نور على نور، وقد أمر بترك ما يريبه إلى مالا يريبه. معراج، وفي هذا التعليل لف ونشر مشوش، وفيه إشارة إلى أن ذلك مندوب، فكلمة لا بأس وإن كان الغالب استعمالها فيما تركه أولى، لكنها قد تستعمل في المندوب كما صرح به في البحر من الجنائز والجهاد، فافهم. قوله: (وحديث فقد تعدى الخ) جواب عما يرد على قوله: لا بأس به وقد تقدم الحديث في عبارة النهر. قال في البحر: واختلف في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: فمن زاد على هذا على أقوال؟ فقيل على الحد المحدود، وهو مردود بقوله عليه الصلاة والسلام: من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل والحديث في المصابيح، وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد المحدود، وقيل على أعضاء الوضوء، وقيل الزيادة على العدد والنقص عنه. والصحيح أنه محمود على الاعتقاد دون نفس الفعل، حتى لو زاد أنقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد، كذا في البدائع، واقتصر عليه فالهداية، وفي الحديث لف ونشر، لان التعدي يرجع إلى الزيادة والظلم إلى النقصان ا ه.
أقول: وصريح ما في البدائع أنه لا كراهة في الزيادة والنقصان مع اعتقاد سنية الثلاث، ولذا * * * * * ذكر في البدائع أيضا أن ترك الاسراف والتقتير مندوب، ويوافقه ما في التاترخانية: لا يكره إلا أن يرى السنة في الزيادة، وهو مخالفا لما مر، من أنه لو اكتفى بمرة واعتاده أثم، ولما سيأتي بعد ورقة من أن الاسراف مكروه تحريما، ومنه الزيادة على الثلاث، ولهذا فرع في الفتح وغيره على القول بحمل الوعيد على اعتقاده سنية الزيادة أو النقص بقوله: فلو زاد لقصد الوضوء على الوضوء، أو لطمأنينة القلب عند الشك، أو نقص لحاجة لا بأس به، فإن مفاد هذا التفريع أنه لو زاد أو نقص بلا غرض صحيح يكره وإن اعتقد سنية الثلاث، وبه صرح في الحلية فقال: وهل لو زاد على الثلاث من غير قصد لما ذكر يكره؟ الظاهر نعم لأنه إسراف ا ه، لكن لو كان قصده بالزيادة الوضوء على الوضوء، إنما تنتفي الكراهة إذا كان بعد الفراغ من الأول وصلى به أو تبدل المجلس على ما مر وإلا فلا، وعلى كل فيحتاج إلى التوفيق بين ما في البدائع وغيره. ويمكن التوفيق بما قدمناه من أنه إذا فعل ذلك مرة لا يكره ما لم يعتقده سنة، وإن اعتاده وأصر عليه يكره وإن اعتقد سنية الثلاث إلا إذا كان لغرض صحيح، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، فتدبره. قوله: (ولعل الخ) جواب عما أورده