ووجهه أن السنة أحد الأحكام الشرعية المتفق على مشروعيتها عند علماء الدين، فإذا أنكر ذلك ولم يرها شيئا ثابتا ومعتبرا في الدين يكون قد استخف بها واستهانها وذلك كفر. تأمل مطلب: في قولهم الإساءة دون الكراهة قوله: (وقالوا الخ) نص على ذلك في التحقيق وفي التقرير الأكملي من كتب الأصول. لكن صرح ابن نجيم في شرح المنار بأن الإساءة أفحش من الكراهة، وهو المناسب هنا لقول التحرير:
وتاركها يستوجب إساءة: أي التضليل واللوم. وفي التلويح: ترك السنة المؤكدة قريب من الحرام، وقد يوفق بأن مرادهم بالكراهة التحريمية والمراد بها في شرح المنار التنزيهية، فهي دون المكروه تحريما وفوق المكروه تنزيها، ويدل على ذلك ما في النهر عن الكشف الكبير معزيا إلى أصول أبي اليسر: حكم السنة أن يندب إلى تحصيلها ويلام على تركها مع لحوق إثم يسير ا ه وعن هذا في البحر: إن الظاهر من كلامهم أن الاثم منوط بترك الواجب أو السنة المؤكدة لتصريحهم بإثم من ترك سنن الصلوات الخمس على الصحيح، وتصريحهم بإثم من ترك الجماعة مع أنها سنة على الصحيح. ولا شك أن الاثم بعضه أشد من بعض، فالاثم لتارك السنة المؤكدة أخف منه لتارك الواجب اه ملخصا. وظاهره حصول الاثم بالترك مرة، ويخالفه ما في شرح التحرير أن المراد الترك بلا عذر على سبيل الاصرار، وكذا ما يأتي قريبا عن الخلاصة، وكذا ما مر في سنن الوضوء من أنه لو اكتفى بالغسل مرة، إن اعتاده أثم وإلا لا، وكذا ما في شرح الكيدانية عن الكشف، وقال محمد في المصرين على ترك السنة بالقتال، وأبو يوسف بالتأديب ا ه. فيتعين حمل الترك فيما مر عن البحر على الترك على سبيل الاصرار توفيقا بين كلامهم. قوله: (على ما ذكره) وإلا فهي أكثر كما سيأتي، وقد عد منها الشرنبلالي في مقدمته نور الايضاح إحدى وخمسين. قوله: (ثلاثة وعشرون) أنث لفظ العدد لحذف المعدود ح. قوله: (للتحريمة) أي قبلها، وقيل معها كما سيذكره الشارح في الفصل الآتي. قوله: (في الخلاصة الخ) حكي في الخلاصة أولا خلافا: وقيل يأثم، وقيل لا، ثم قال:
والمختار إن اعتاده أثم لا إن كان أحيانا اه. وجزم به في الفيض وكذا في المنية. قال شارحها:
يأثم لا لنفس الترك، بل لأنه استخفاف وعدم مبالاة بسنة واظب عليها النبي (ص) مدة عمره، وهذا مطرد فجميع السنن المؤكدة ا ه. والتعليل المذكور مأخوذ من الفتح، ورده في البحر بقوله بعد ما قدمناه عنه.
فالحاصل أن القائل بالاثم في ترك الرفع بناء على أنه من سنن الهدى فهو سنة مؤكدة، والقائل بعدمه بناه على أنه من سنن الزوائد بمنزلة المستحب الخ.
قلت: لكن كونه سنة مؤكدة لا يستلزم الاثم بتركه مرة واحدة بلا عذر، فيتعين تقييد الترك بالاعتياد والإصرار توفيقا بين كلامهم كما قدمناه، فإن الظاهر أن الحامل على الاصرار على الترك هو الاستخفاف بمعنى التهاون وعدم المبالاة، لا بمعنى الاستهانة والاحتقار، وإلا كان كفرا كما مر خلافا لما فهمه في النهر، فتدبر. قوله: (أي تركها بحالها) قال في الحلية: ظن بعضهم أنه أراد بالنشر تفريج الأصابع هو غلط، بل أراد به النشر عن الطي: يعني برفعهما منصوبتين لا مضمومتين حتى تكون الأصابع مع الكف مستقبلة للقبلة. ثم لا يخفى أنه لا تتوقف السنة على ضم الأصابع