أقول: هو ظاهر على القولين الأخيرين، لأنه قبل خروج المثل أو ثلاثة الأمثال لم يحكم بطهارة الحوض فيظهر كون الخارج نجسا. وأما على القول المختار فقد حكم بالطهارة بمجرد الخروج فيكون الخارج طاهرا. تأمل. ثم رأيته في الظهيرية ونصه: والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه، وإن رفع إنسان من ذلك الماء الذي خرج وتوضأ به جازا ا ه. فلله الحمد. لكن في الظهيرية أيضا:
حوض نجس امتلأ ماء وفار ماؤه على جوانبه وجف جوانبه لا يطهر، وقيل يطهر ا ه. وفيها: ولو امتلأ فتشرب الماء في جوانبه لا يطهر ما لم يخرج الماء من جانب آخر ا ه. وفي الخلاصة: المختار أنه يطهر إن لم يخرج مثل ما فيه، فلو امتلأ الحوض وخرج من جانب الشط على وجه الجريان حتى بلغ الشجرة يطهر، أما قدر ذراع أو ذراعين فلا ا ه. فليتأمل. قوله: (وكذا البئر وحوض الحمام) أي يطهران من النجاسة بمجرد الجريان، وكذا ما في حكمه من العرف المتدارك كما مر.
مطلب في إلحاق نحو القصعة بالحوض تنبيه: هل يلحق نحو القصعة بالحوض؟ فإذا كان فيها ماء نجس ثم دخل فيها ماء جار حتى طف من جوانبها هل تطهر هي والماء الذي فيها كالحوض أم لا لعدم الضرورة في غسلها؟ توقفت فيه مدة، ثم رأيت في خزانة الفتاوي: إذ فسد ماء الحوض فأخذ منه بالقصعة وأمسكها تحت الأنبوب فدخل الماء وسال ماء القصعة فتوضأ به لا يجوز ا ه.
وفي الظهيرية في مسألة الحوض: لو خرج من جانب آخر لا يطهر ما لم يخرج مثل ما فيه ثلاث مرات كالقصعة عند بعضهم. والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه اه. فالظاهر أن ما في الخزانة مبني على خلاف الصحيح، يؤيده ما في البدائع بعد حكايته الأقوال الثلاثة في جريان الحوض حيث قال ما نصه: وعلى هذا حوض الحمام أو الأواني إذا تنجس ا ه. ومقتضاه أن على القول الصحيح تطهر الأواني أيضا بمجرد الجريان، وقد علل في البدائع هذا القول بأنه صار ماء جاريا ولم نستيقن ببقاء النجاسة فيه، فاتضح الحكم ولله الحمد. وبقي شئ آخر (1) سئلت عنه، وهو أن دلوا تنجس فأفرغ فيه رجل ماء حتى امتلأ وسال من جوانبه، هل يطهر بمجرد ذلك أم لا؟ والذي يظهر لي الطهارة، أخذا مما ذكرناه هنا ومما مر من أنه لا يشترط أن يكون الجريان بمدد، وما يقال: إنه لا يعد في العرف جاريا، ممنوع لما مر من أنه لو سال دم رجله مع العصير لا ينجس، وكذا ما ذكره الشارح بعده من أنه لو حفر نهرا من حوض صغير أو صب الماء في طرف الميزاب الخ، وكذا ما ذكرناه هناك عن الخزانة والذخيرة من المسائل، فكل هذا اعتبروه جاريا، فكذا هنا. وأخبرني شيخنا حفظه الله تعالى أن بعض أهل عصره في حلب أفتى بذلك حتى في المائعات وأنهم أنكروا عليه ذلك.
وأقول: مسألة العصير تشهد لما أفتى به، وقد مر أن حكم سائر المائعات كالماء في الأصح.
فالحاصل أن ذلك له شواهد كثيرة، فمن أنكره وادعى خلافه يحتاج إلى إثبات مدعاه بنقل صريح لا بمجرد أنه لو كان ذلك لذكروه في تطهير المائعات كالزيت ونحوه.