كالكافر والفاسق والصبي فلعدم الاعتداد بإخباره فيما هو من أمور الديانات ما لم يغلب على الظن صدقه كما في القهستاني، ويقبل فيها قول الواحد العدل كما في النهاية، وأما إذا لم يكن من أهل ذلك المكان فلانه يخبر عن اجتهاد فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره، وأما إذا لم يكن بحضرته من أهل المسجد أحد فإنه يتحرى، ولا يجب عليه قرع الأبواب كما سيأتي، وظاهر التقييد بالأهل أن وجوب السؤال خاص بالحضر، فلو في مفازة لا يجب. وفي البدائع ما يخالفه حيث قال: فإن كان عاجزا بالاشتباه وهو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة ولا علم له بالامارات الدالة على القبلة، فإن كان بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له أن يتحرى، بل يجب أن يسأل لما قلنا: أي من أن السؤال أقوى من التحري ا ه. وشرط في الذخيرة كون المخبر في المفازة عالما حيث نقل عن الفقيه أبي بكر أنه سئل عمن في المفازة، فأخبره رجلان أن القبلة في جانب ووقع تحريه إلى جانب آخر، فقال: إن كان في رأيه أنهما يعلمان ذلك يأخذ بقولهما لا محالة وإلا فلا ا ه. وشرط في الخانية والتجنيس كونهما من أهل ذلك الموضع حيث قال: فإن لم يكونا من أهل ذلك الموضع وهما مسافران مثله لا يلتفت إلى قولهما لأنهما يقولان بالاجتهاد، فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره ا ه. والظاهر أن المراد من اشتراط كونهما من أهل ذلك الموضع كونهما عالمين بالقبلة، لان الكلام في المفازة ولا أهل لها، إلا أن يراد كونهما من أهل الأخبية فهما من أهله والاهل له علم أكثر من غيره، فلا ينافي ما مر عن الذخيرة، حتى لو كانا من أهله ولا علم لهما لا يلتفت إلى قولهما، فالمناط إنما هو العلم، فقد يكونان مسافرين مثله ولكن لهما معرفة بالقبلة في ذلك المكان بكثرة التكرار أو بطريق آخر من طرق العلم مما يفوق على تحري المتحري.
ثم اعلم أن ما نقلناه آنفا عن البدائع من قوله: في ليلة مظلمة الخ، يقتضي أن الاستدلال بالنجوم في المفازة مقدم على السؤال المقدم على التحري، فصار الحاصل الاستدلال على القبلة في الحضر إنما يكون بالمحاريب القديمة، فإن لم توجد فبالسؤال من أهل ذلك المكان وفي المفازة بالنجوم، فإن لم يكن لوجود غيم أو لعدم معرفته بها فبالسؤال من العالم بها، فإن لم يكن فيتحرى، وكذا يتحرى لو سأله عنها فلم يخبره، حتى لو أخبره بعد ما صلى لا يعيد كما في المنية. وفيها: لو لم يسأله وتحرى، إن أصاب جاز وإلا لا، وذا الأعمى ا ه. ومسائل التحري ستأتي. ورجح في البحر ما في الظهيرية، من أنه لو صلى في المفازة بالتحري والسماء مصحية لكنه لا يعرف النجوم فتبين أنه أخطأ لا يجوز، لأنه لا عذر لاحد في الجهل بالأدلة الظاهرة كالشمس والقمر وغيرهما. أما دقائق علم الهيئة وصور النجوم الثوابت فهو معذور في الجهل بها ا ه. وقوله: (والمعتبر في القبلة الخ) أي إن الذي يجب استقباله أو استقبال جهته هو العرصة، وهي لغة: كل بقعة بين الدور واسعة لا بناء فيها كما في الصحاح وغيره، والمراد بها هنا تلك البقعة الشريفة. قوله: (لا البناء) أي ليس المراد بالقبلة الكعبة التي هي البناء المرتفع على الأرض، ولذا لو نقل البناء على موضع آخر وصلى إليه لم يجز، بل تجب الصلاة إلى أرضها كما في الفتاوى الصوفية عن الجامع الصغير.
مطلب: كرامات الأولياء ثابتة وفي البحر عن عدة الفتاوى: الكعبة إذا رفعت عن مكانها لزيارة أصحاب الكرامة ففي تلك الحالة جازت الصلاة إلى أرضها ا ه. وفي المجتبى: وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير على قواعد