قلت: والظاهر أن أراد بالمشروعية الصحة، لكن يقال عليه: إن المقصود من السنة الثواب، وهو مناف للنهي، بخلاف الفرض فإنه مع النهي يحصل به سقوط المطالبة، كمن توضأ بماء مغصوب فإنه يسقط به الفرض وإن أثم، بخلاف ما إذا جدد به الوضوء فالظاهر أنه وإن صح لم يكن له ثواب. قوله: (استقبال قبله) أي جهتها كما في الصلاة فيما يظهر. ونص الشافعية على أنه لو استقبلها بصدره وحول ذكره عنها وبال لم يكره، بخلاف عكسه ا ه: أي فالمعتبر الاستقبال بالفرج، وهو ظاهر قول محمد في الجامع الصغير: يكره أن يستقبل القبلة بالفرج من الخلاء، وهل يلزمه ا لتحري لو اشتبهت عليه كما في الصلاة؟ الظاهر نعم، ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها وغلب على ظنه عود النجاسة عليه فالظاهر أنه يتعين عليه استدبار القبلة حيث أمكن، لان الاستقبال أفحش، والله أعلم. قوله: (واستدبارها) هو الصحيح. وروي عن أبي حنيفة أنه يحل الاستدبار.
قوله: (لم يكره) أي تحريما، لما في المنية أن تركه أدب، ولما مر في الغسل أن من آدابه أن لا يستقبل القبلة لأنه يكون غالبا مع كشف العورة، حتى لو كانت مستورة لا بأس به، ولقولهم: يكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره عمدا، وكذا في حال مواقعة أهله.
مطلب: القول المرجع على الفعل قوله: (لاطلاق النهي) وهو قوله (ص): إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا رواه السنة، وفيه رد لرواية حل الاستدبار، ولقول الشافعي بعدم الكراهة في البنيان أخذا من قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت رسول الله (ص) يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة رواه الشيخان. ورجح الأول بأنه قول وهذا فعل، والقول أولى لان الفعل يحتمل الخصوصية والعذر وغير ذلك، وبأنه محرم وهذا مبيح، والمحرم مقدم، وتمامه في شرح المنية. قوله: (قبالة) بضم القاف بمعنى تجاه. قاموس ا ه. ط.
قوله: (فانحرف عنها) أي بجملته أو بقبله حتى خرج عن جهتها والكلام مع الامكان، فليس في الحديث دلالة على أن المنهي استقبال العين كما لا يخفى، فافهم. قوله: (حتى يغفر له) أي تقصيره في عدم تثبته حتى كفل واستقبلها، أو المراد غفران ما شاء الله تعالى من ذنوبه الصغائر. إن الحسنات يذهبن السيئات - قوله: (وإلا فلا بأس) أي وإن لم يمكنه فلا بأس، والمراد نفي الكراهة أصلا. ويحتمل أن المعنى وإن لم ينحرف مع الامكان فلا بأس كما في النهاية (1) وحينئذ فالمراد به خلاف الأولى كما هو الشائع في استعماله، وإذا ذلك أشار الشارح أولا بقوله:
ندبا. قوله: (هذه الخ) الإشارة إلى الكراهة المذكورة في الأشياء الآتية: أي بخلاف كراهة الاستقبال والاستدبار فإنها تحريمية كما نص عليه أولا، وأراد دفع ما قد يتوهم أن كل هذه الأشياء