عن الماء في بلادنا يكون ماؤها قليلا، وفي أغلب الأوقات يستصحب الماء عين والزبل يرسب في أسفل الحياض، وكثير ما ينقض الحوض بالاستعمال منه أو ينقطع الماء عنه فلا يبقى جاريا ولا سيما عند كري الأنهر انقطاع الماء بالكلية أياما، فإذا منعوا من الانتفاع بتلك الحياض لما فيها من الزبل يلزمهم الحرج الشديد كما هو مشاهد، فاحتياجهم إلى التوسعة أشد من احتياج أرباب الدواب. وقال في شرح المنية: المعلوم من قواعد أئمتنا التسهيل في مواضع الضرورة والبلوى العامة كما في مسألة آبار الفلوات ونحوها ا ه: أي كالعفو عن نجاسة المعذور وعن طين الشارع الغالب عليه النجاسة وغير ذلك، نعم في بعض الأوقات يزداد التغيير فينزل الماء إلى الحوض أخضر وفيه عين الزبل فينجس الحوض لو صغيرا وإن كان جاريا لان جريانه بماء نجس ولا ضرورة إلى الاستعمال منه في تلك الحالة فينتظر صفاؤه ثم يعفي عما في القساطل وما في أسفل الحوض، لما علمت من الضرورة من أن المشقة تجلب التيسير، ومن أنه إذا ضاق الامر اتسع، والله تعالى أعلم. قوله: (وألحقوا بالجاري حوض الحمام) أي في أنه لا ينجس إلا بظهور أثر النجاسة.
أقول: وكذا حوض غير الحمام لأنه في الظهيرية ذكر هذا الحكم في حوض أقل من عشر في عشر، ثم قال: وكذلك حوض الحمام ا ه. فليحفظ قوله: (والغرف متدارك) جملة حالية: أي متتابع، وتفسيره كما في البحر وغيره أن لا يسكن وجه الماء فيما بين الغرفتين. قوله: (ويخرج من آخر) أي بنفسه أو بغيره لما في التاترخانية: لو كان يدخله الماء ولا يخرج منه لكن فيه إنسان يغتسل ويخرج الماء باغتساله من الجانب الآخر متداركا لا ينجس ا ه.
مطلب: لو أدخل الماء من أعلى الحوض وخرج من أسفله فليس بجار ثم إن كلامهم ظاهره أن الخروج من أعلاه، فلو كان يخرج من ثقب في أسفل الحوض لا يعد جاريا، لان العبرة بوجه الماء بدليل اعتبارهم في الحوض الطول والعرض لا العمق، واعتبارهم الكثرة والقلة في أعلاه فقط كما سيذكره الشارح.
وفي المنية: إذا كان الماء يجري ضعيفا ينبغي أن يتوضأ على الوقار حتى يمر عنه الماء المستعمل، ولم أر المسألة صريحا، نعم رأيت في شرح سيدي عبد الغني في مسألة خزانة الحمام التي أخبر أبو يوسف برؤية فأرة فيها قال: فيه إشارة إلى أن ماء الخزانة إذا كان يدخل من أعلاها ويخرج من أنبوب في أسفلها فليس بجار ا ه. وفي شرح المنية: يظهر الحوض بمجرد ما يدخل الماء من الأنبوب ويفيض من الحوض، هو المختار لعدم تيقن بقاء النجاسة فيه وصيرورته جاريا ا ه. وظاهر التعليل الاكتفاء بالخروج من الأسفل لكنه خلاف قوله: ويفيض فتأمل وراجع (قوله مطلقا) أي سواء كان أربعا في أربع أو أكثر. قيل أكثر يتنجس، لأن الماء المستعمل يستقر فيه إلا أن يتوضأ في موضع الدخول أو الخروج كما في المنية.
وظاهر الاطلاق أيضا أنه إذا علم عدم خروج الماء المستعمل لضعف الجري لا يضر، وليس كذلك لما في المنية عن الخانية. والأصح أن هذا التقرير غير لازم، فإن خرج الماء المستعمل من ساعته لكثرة الماء وقوته يجوز وإلا فلا ا ه. وأقره الشارحان. وزاد في الحلية قوله: ولا شك أنه حسن، لكن قال في التاترخانية بعد ما مر: وحكي عن الحلواني أنه قال: إن كان يتحرك الماء من جريانه يجوز.