في البحر من أن قولهم: لو نوى الوضوء على الوضوء لا بأس به مخالف لما في السراج من أن تكراره في مجلس مكروه، وحمله على اختلاف المجلس بعيد.
وحاصل الجواب حمل الكراهة على التنزيهية، فلا تنافي قولهم لا بأس به، لان غالب استعمالها فيما تركه أولى.
أقول: وفي هذا الجواب نظر، لما قدمناه من تعليلهم بأنه نور على نور، فهي مستعملة في المندوب لا فيما تركه أولى، فالأحسن الجواب بما قدمناه عن النهر من أن المكروه وتكراره في مجلس مرارا. قوله: (بل في القهستاني الخ) ترق في الجواب، وهو مخالف لما سيأتي من أن الاسراف مكروه ولو بماء النهر، ولذا قال تأمل، ويأتي تمام الكلام عليه.
مطلب: قد يطلق الجائز على ما لا يمتنع شرعا فيشمل المكروه وقد يقال: أطلق الجائز وأراد به ما يعم المكروه. ففي الحلية عن أصول ابن الحاجب أنه قد يطلق ويراد به ما لا يمتنع شرعا، وهو يشمل المباح والمكروه والمندوب والواجب ا ه. لكن الظاهر أن المراد المكروه تنزيها، لان المكروه تحريما ممتنع شرعا منعا لازما مطلب في تصريف قولهم معزيا قوله: (معزيا) يقال عزوته وعزيته لغة: إذا نسبته. صحاح، فهو اسم مفعول من اليائي اللام أصله معزوي فقلبت الواو ياء ثم أدغمت، ويجوز أخذه من الواو أيضا، فإن القياس فيه معزو مثل مغزو، لكنه قد تقلب الواوان فيه ياءين وهو فصحيح كما نص عليه التفتازاني في شرح التصريف.
قوله: (مرة) لو قال بدله بماء واحد كما في المنية لكان أولى لما في الفتح. روى الحسن عن أبي حنيفة في المجرد: إذا مس ثلاثا بماء واحد كان مسنونا ا ه. وعليه حمل في الهداية وغيرها ما استدل به الشافعي من رواية التثليث جمعا بين الأحاديث. ولا يقال: إن الماء يصير مستعملا بالمرة الأولى فكيف يسن التكرار؟ لما في شرح المنية من أنهم اتفقوا على أن الماء ما دام في العضو لا يكون مستعملا. قوله: (مستوعبة) هذا سنة أيضا كما جزم به في الفتح، ثم نقل عن القنية أنه إذا داوم على ترك الاستيعاب بلا عذر يأثم قال: وكأنه لظهور رغبته عن السنة قال الزيلعي وتكلموا في كفيفة المسح. والأظهر أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس ثم يمسح أذنيه بأصبعيه ا ه، وما قيل من أنه يجافي المسبحتين والابهامين ليمسح بهما الاذنين والكفين ليمسح بهما جانبي الرأس خشية الاستعمال، فقال في الفتح: لا أصل له في السنة، لان الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال، والاذنان من الرأس.
تنبيه: لو مسح ثلاثا بمياه، قيل يكره، وقيل إنه بدعة، وقيل لا بأس به. وفي الخانية: لا يكره ولا يكون سنة ولا أدبا، قال في البحر: وهو الأولى، إذ لا دليل على الكراهة ا ه.
قلت: لكن استوجه في شرح المنية القول بالكراهة، وذكرت ما يؤيده فيما علقته على البحر