قوله: (وعفا الشارع) فيه تغيير للفظ المتن، لأنه كان مبنيا للمجهول، لكنه قصد التنبيه على أن ذلك مروي لا محض قياس فقط.
قال في شرح المنية: ولنا أن القليل عفو إجماعا، إذ الاستنجاء بالحجر كاف بالاجماع وهو لا يستأصل النجاسة، والتقدير بالدرهم مروي عن عمر وعلي وابن مسعود، وهو مما لا يعرف بالرأي فيحمل على السماع ا ه. وفي الحلية: التقدير بالدرهم وقع على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث من الدبر كما أفاده إبراهيم النخعي بقوله: إنهم استكرهوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم، ويعضده ما ذكره المشايخ عن عمر أنه سئل عن القليل من النجاسة في الثوب، فقال: إذا كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة، قالوا (1) وظفره كان قريبا من كفنا. قوله: (وإن كره تحريما) أشار إلى أن العفو عنه بالنسبة إلى صحة الصلاة به، فلا ينافي الاثم كما استنبطه في البحر من عبارة السراج، ونحوه في شرح المنية فإنه ذكر ما ذكره الشارح من التفصيل، وقد نقله أيضا في الحلية عن الينابيع، لكنه قال بعده: والأقرب أن غسل الدرهم وما دونه مستحب مع العلم به والقدر على غسله، فتركه حينئذ خلاف الأولى، نعم الدرهم غسله آكد مما دونه، فتركه أشد كراهة كما يستفاد من غير ما كتاب من مشاهير كتب المذهب.
ففي المحيط: يكره أن يصلي ومعه قدر درهم أو دونه من النجاسة عالما به لاختلاف الناس فيه. زاد في مختارات النوازل: قادرا على إزالته، وحديث: تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم لم يثبت، ولو ثبت حمل على استحباب الإعادة توفيقا بينه وبين ما دل عليه الاجماع على سقوط غسل المخرج بعد الاستجمار من سقوط قدر الدرهم من النجاسة مطلقا ا ه. ملخصا.
أقول: ويؤيده قول في الفتح: والصلاة مكروهة مع ما لا يمنع، حتى قيل لو علم قليل النجاسة عليه في الصلاة يرفضها ما لم يخف فوت الوقت أو الجماعة ا ه. ومثله في النهاية والمحيط كما في البحر، فقد سوى بين الدرهم وما دونه في الكراهة ورفض الصلاة، ومعلوم أن ما دونه لا يكره تحريما إذ لا قائل به، فالتسوية في أصل الكراهة التنزيهية وإن تفاوتت فيهما، ويؤيده تعليل المحيط للكراهة باختلاف الناس فيه إذ لا يستلزم التحريم، وفي النتف ما نصه: فالواجبة إذا كانت النجاسة أكثر من قدر الدرهم، والنافلة إذا كانت مقدار الدرهم وما دونه. وما في الخلاصة من قوله:
وقدر الدرهم، لا يمنع، ويكون مسيئا وإن قل، فالأفضل أن يغسلها ولا يكون مسيئا ا ه. لا يدل على كراهة التحريم في الدرهم لقول الأصوليين: إن الإساءة دون الكراهة، نعم يدل على تأكد إزالته على ما دونه فيوافق ما مر عن الحلية ولا يخالف ما في الفتح كما لا يخفى، ويؤيد إطلاق أصحاب المتون قولهم: وعفي قدر الدرهم، فإنه شامل لعدم الاثم فتقدم هذه النقول على ما مر عن الينابيع، والله تعالى أعلم. قوله: (والعبرة لوقت الصلاة) أي لو أصاب ثوبه دهن نجس أقل من قدر الدرهم ثم انبسط وقت الصلاة فزاد على الدرهم، قيل يمنع، وبه أخذ الأكثرون كما في البحر عن السراج.
وفي المنية: وبه يؤخذ، وقال شارحها: وتحقيقه أن المعتبر في المقدار من النجاسة الرقيقة ليس