والروث كما عبر في المنية، قوله: (وإلا) أي وإن لا نقل أنه لا يكون نجسا، وظاهره أن العلة الضرورة، وصريح الدرر وغيرها أن العلة هي انقلاب العين كما يأتي، لكن قدمنا عن المجتبى أن العلة هذه وأن الفتوى على هذا القول للبلوى، فمفاده أن عموم البلوى علة اختيار القول بالطهارة المعللة بانقلاب العين، فتدبر. قوله: (كان حمارا أو خنزيرا) أفاد أن الحمار مثال لا قيد احترازي، وأشار بإطلاقه إلى أنه لا يلزم وقوعه وهو حي، فإنه لو وقع في المملحة بعد موته فهو كذلك كما في شرح المنية. قوله: (حمأة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الهمزة وبهاء التأنيث. قال في القاموس: الطين الأسود المنتن. ح. قوله: (لانقلاب العين) علة للكل، وهذا قول محمد، وذكر معه في الذخيرة والمحيط أبا حنيفة. حلية. قال في الفتح: وكثير من المشايخ اختاروه، وهو المختار لان الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل؟ فإن الملح غير العظم واللحم، فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح. ونظيره في الشرع النطفة نجسة وتصير علقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ويصير خلا فيطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها ا ه.
(تنبيه): يجوز أكل ذلك الملح والصلاة على ذلك الرماد كما في المنية وغيرها، وما فيها من أنه لو وقع ذلك الرماد في الماء فالصحيح أنه ينجس فليس بصحيح، إلا على قول أبي يوسف كما ذكره الشارحان.
تنبيه آخر: مقتضى ما مر ثبوت انقلاب الشئ عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب، وقيل إنه غير ثابت لان قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق بالمحال، والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهبا على ما هو رأي المحققين، أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي به صار نحاسا، ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا على ما هو رأى بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشئ في الزمن الواحد نحاسا وذهبا، ويدل على ثبوته بأحد هذين الاعتبارين كما اتفق عليه أئمة التفسير قوله تعالى - * (فإذا هي حية تسعى) * (طه: 02) وإلا لبطل الاعجاز. ويبتني على هذا القول أن علم الكيمياء الموصل إلى ذلك القلب يجوز لمن علمه علما يقينا أن يعلمه ويعمل به. أما على القول الثاني فلا لأنه غش، وتمامه في تحفة ابن حجر، وقدمنا في صدر الكتاب زيادة على ذلك. قوله: (ونسي المحل) بالبناء للمجهول، ثم إن النسيان يقتضي سبق العلم، والظاهر أنه غير قيد، وأنه لو علم أنه أصاب الثوب نجاسة وجهل محلها فالحكم كذلك، ولذا عبر بعضه بقوله: واشتبه محلها. تأمل.
قوله: (هو المختار) كذا في الخلاصة والفيض، وجزم به في النقاية والوقاية والدرر والملتقى، ومقابله القول بالتحري والقول بغسل الكل، وعليه مشى في الظهيرية ومنية المفتي، واختاره في البدائع احتياطا قال: لان موضع النجاسة غير معلوم، وليس البعض أولى من البعض ا ه. ويؤيده ما نقله نوح أفندي عن المحيط من أن ما قالوه مخالف لما ذكره هشام عن محمد من أنه لا يجوز التحري في ثوب واحد ا ه. وعللوا القول المختار بوقوع الشك بعد الغسل في بقاء النجاسة، وقاسوه على ما