وفي كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): " وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار; فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك (لله) رضا. " (1) وقال أيضا: " ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار. " (2) فهو (عليه السلام) تعرض لبعض خصوصيات الشورى أيضا وجعل الملاك شورى أهل الحل والعقد وأهل العلم والمعرفة، ولا يخفى أن شورى أهل الحل والعقد تستعقب غالبا رضا جميع الأمة أو أكثرهم قهرا.
ولعل هذا كان في صورة عدم إمكان تحصيل آراء الأمة مباشرة، وأما مع إمكان تحصيلها بمرحلة واحدة أو بمرحلتين كما في أعصارنا فالواجب تحصيلها لتكون الحكومة أقوى وأحكم.
وكيف كان فما هو الواجب على الشارع الحكيم بيان أصل الشورى والحث عليها; وقد بين. وأما الكيفيات والخصوصيات والشرائط فمفوضة إلى العقلاء وأهل العلم الواقفين على حاجات الزمان والظروف والإمكانيات.
ولا يخفى أن تبيين جميع الفروع والأحكام في الإسلام من العبادات والمعاملات والسياسات ونحوها أيضا كان على هذا النحو. فكما أنه ليس في الكتاب والسنة اقتصاد منظم مدون وإنما وردت فيها كليات وأصول رتبها وشرحها الفقهاء، و صاغها في القوالب الخاصة علماء الاقتصاد حسب ظروف الزمان، فكذلك الأمر في الحكومة والدولة، حيث ترى أصولها وشرائط الحاكم ومواصفاته مذكورة في الكتاب والسنة كما مر. وكذلك الشورى وبعض خصوصياتها.
فعلى الفقهاء جمع الأدلة وبيانها، وعلى المتخصصين في فنون السياسة والواقفين على ظروف الزمان وإمكاناتها تطبيقها على أساس الإمكانات المختلفة المتكاملة بحسب الظروف والأمكنة والأزمنة كسائر الحاجات الاجتماعية وغيرها.