ولكن البحث ليس في هذه الكمالات الذاتية، بل الكلام هنا في الولاية الاعتبارية الجعلية التي بها يتكفل الشخص بتدبير الأمور وسياسة البلاد والعباد وتنفيذ مقررات الإسلام وحدوده وتعيين الأمراء والقضاة وجباية الضرائب ونحو ذلك من وظائف الولاة.
وليست الولاية الاعتبارية كما مر في الباب الثاني ميزة وأثرة، بل هي مجرد وظيفة ومسؤولية خطيرة، ولا يفرق في ذلك بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) بل والفقيه الجامع للشرائط الذي تحمل هذه المسؤولية، فله وعليه مثل ما لهم وعليهم فيما يرجع إلى الوظائف السياسية.
فهل لأحد أن يحتمل مثلا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلد الزاني مأة جلدة والفقيه يجلده أقل من ذلك؟ أو أن ما يطلب منه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الزكاة غير ما يطلب منه الفقيه؟ أو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له أن يعين الأمراء والقضاة للبلاد والفقيه ليس له ذلك؟ إلى غير ذلك من وظائف الولاة.
هذه غاية تقريب الاستدلال بالحديث الشريف، ولكن مع ذلك كله في النفس منه شئ: فإن قوله (عليه السلام): " فيعلمونها الناس من بعدي " له ظهور قوى في تحديد الخلافة و أن الغرض منها هو الخلافة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في التعليم والتبليغ. والاحتفاف بما يصلح للقرينية مانع من انعقاد الإطلاق. فإثبات الخلافة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الولاية والقضاء يحتاج إلى دليل أقوى من ذلك.
وعدم وجود الذيل في بعض النقول لا يوجب الحكم بالإطلاق فيه، إذ الظاهر كون الجميع رواية واحدة ربما نقلت تامة وربما نقلت مقطعة، والتقطيع في نقل الأحاديث كان شائعا، فتدبر.