وأظهرت الكراهة بطل العقد وانفسخ، وهو قول شيخنا المفيد في كتابه أحكام النساء وقول السيد المرتضى.
وإلى هذا القول أذهب وعليه أعتمد وبه أفتى لوضوحه عندي ويقويه النظر والاعتبار والمحقق من الأخبار وقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فجعل النكاح في الولاية بيدها وأضافه إليها فالظاهر أنها تتولاه. وقوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، فأباح فعلها في نفسها من غير اشتراط أحد من الأب والجد.
وقوله تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، فأضاف التراجع إليهما وهو عقد لأنه لو أراد الرجعة من الزوج وحده لما أضافه إليهما معا.
وأيضا فلا خلاف بين أصحابنا المخالف في المسألة والمؤالف أن الأب بعد البلوغ والرشد تخرج الولاية منه عن المال ويجب تسليمه إليها، والاتفاق حاصل أن لا يحجر عليه في ماله ونفسه إلا ما خرج بالدليل من المفلس، ولا خلاف بينهم أن بالبلوغ يكمل عقلها ويجب تسليم ما لها إليها ويصح عقود بيوعها ونذرها وأيمانها لقوله تعالى: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، ومن جملة فعلها بنفسها عقدها عليها عقدة النكاح وقد أباحها الله تعالى ذلك بصريح لفظ الآية ما تفعله في نفسها، وذلك عام في جميع الأفعال فمن ادعى التخصيص يحتاج إلى دليل.
فعلى هذا التقرير والتحرير إذا لم ترض بعقد أبيها وأظهرت كراهية عقده فإنه يكون باطلا مفسوخا، وإن رضيت به وأمضته فإنه يكون صحيحا ويجري مجرى غيره من الأجانب، لأن العقد عندنا في النكاح يقف على الإجازة بغير خلاف بيننا إلا ممن شذ وعرف اسمه ونسبه وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله.
وأيضا لا خلاف بين المخالف والمؤالف من أصحابنا في المسألة أن ولاية الأب تزول عن البكر البالغ في عقد النكاح المؤجل فبالإجماع قد زالت ولايته هاهنا في النكاح المؤجل، فلو كانت ولايته ثابتة في النكاح بعد البلوغ لم تزل في أحد قسميه ويثبت في الآخر، فمن ادعى ثبوت ولايته في القسم الآخر - الذي هو الدائم - فعليه الدليل لأنه موافق في خروج الولاية من يده في العقود