وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطئها فرق بينهما ولم تحل له أبدا، معنى قوله رحمه الله: فرق بينهما، المراد بذلك في الوطء دون بينونة العقد وانفساخه لأن الاجماع منعقد منه رحمه الله ومن أصحابنا بإجماعهم أن من دخل بامرأته ووطأها ولها دون تسع سنين وأراد طلاقها طلقها على كل حال ولا عدة عليها منه بعد الطلاق على الأظهر من أقوال أصحابنا، فإذا كانت قد بانت بوطئه لها قبل بلوغها التسع فلا حاجة إلى طلاقها ولا يتقدر ذلك بحال، وقد كنا أملينا مسألة قبل تصنيفنا لهذا الكتاب بسنين عدة في هذا المعنى فأحببنا إيرادها هاهنا وها هي:
إن سأل سائل فقال: أرى في معظم كتبكم مسألة ظاهرها متضاد متناف وهي: من وطئ زوجته ولها دون تسع سنين حرمت عليه أبدا وفرق بينهما، بغير خلاف بينكم في ذلك هذا في أبواب النكاح من تصانيف أصحابكم، ثم في أبواب الطلاق وأقسامه يذكر هؤلاء أصحاب الكتب والتصانيف من أصحابكم بغير خلاف بينهم أقسام الطلاق ومن تجب عليها عدة ومن لا يجب فيقولون: من دخل بامرأته ولها دون تسع سنين وأراد طلاقها فليطلقها على كل حال وليس له عليها بعد طلاقه لها عدة وإن كانت مدخولا بها على الأظهر من أقوال أصحابنا، وقد قلتم: إن من دخل بزوجته ولها دون تسع سنين لا تحل له أبدا وحرمت عليه أبدا ويفرق بينهما، فإذا كان قد حرمت عليه أبدا ولا تحل له أبدا فلا تحتاج حينئذ إلى طلاق لأن من يحرم أبدا وطؤها على زوجها ولا تحل له أبدا كيف يقولون: إذا أراد طلاقها فليطلقها، وهذا ظاهره متناقض متناف كما نرى.
قلنا: ليس بين القولين بصحة طلاق من ذكر في السؤال وبين تحريم وطئها على زوجها أبدا وأنها لا تحل له أبدا تناف ولا تضاد ولا تناقض على ما ظنه السائل واعتقده، وأي تضاد بين تحريم وطئها وصحة طلاقها؟ لأن صحة الطلاق مبني على صحة العقد ولا خلاف في صحة عقدها أو لا وأنها زوجته فطريان التحريم وإن وطأها لا يحل له أبدا لا يخرجها من كونها زوجة له وأن عقدها الأول غير صحيح أو قد انفسخ، إذ لا تنافي بين الحكمين لأن الأصل صحة العقد واستدامته، فمن ادعى بطلانه لوطئه لها قبل بلوغها تسع سنين يحتاج إلى دليل.