زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد وإن كان محصنا رجم. قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل إنما يأتي وإنما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة وإن المرأة إنما تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها (1).
وفيه - مضافا إلى ضعف الرواية (2) أن للمجنون إرادات بالنسبة إلى أفعال خاصة كأكلة وشربه وفراره عن المخوفات في بعض الأحايين ومن هذا القبيل زناه فإنه يزني بإرادته كما يأكل ويفر بإرادته لكن هذا لا فرق فيه بين المجنون والمجنونة فهي أيضا تأتي بهذه الأفعال بإرادتها فكما أن المجنون يأتي المرأة ويقصد ذلك هكذا المجنونة تقصد ذلك ولذا تخلى بينه وبين نفسها وليس فعل الزنا متحققا وقائما بفعل الرجل وحده بل للمرأة دخل فيه ولذا ينتسب الفعل إليها كما ينتسب إليه - اللهم إلا أن تكون المرأة مستكرهة على الزنا كما ذكر ذلك في الرواية - بل قد يتفق أن المجنونة تدعو الرجل إلى نفسها وتخلي نفسها له كي يزني بها فكيف نقول بأنه يحد ويرجم المجنون دون المجنونة والحال أنهما على حد سواء؟
ولو كان المراد أن للمجنون مقدارا من العقل دون المجنونة فاللازم بيان الفرق بين العاقل والمجنون - دون المجنون والمجنونة الذي هو المذكور في الرواية - فإنه على ذلك يلزم القول بأنه يحد الزاني عاقلا كان أو مجنونا.
وعلى الجملة فلا يمكن للشرع تجويز ما ينكره العقل ويأباه بالاستقلال، فإذا لا بد إما من تأويل الرواية المزبورة أو طرحها.
وقد حملها بعض العلماء على بعض الوجوه غير المنافية للحكم العقلي ومن هؤلاء هو الشهيد الثاني قدس سره فقال في المسالك بعد ذكر اشتراط البلوغ في الاحصان وإن الصبي ليس بمحصن:
والأظهر أن المجنون كذلك لاشتراكهما في العلة فيشترط البلوغ والعقل