وقال الثاني: إذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنا بامرأة فشهد اثنان أنه أكرهها وآخران أنها طاوعته قال الشافعي: إنه لا يجب عليه الحد وهو الأقوى عندي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد وبه قال أبو العباس: دليلنا أن الأصل براءة الذمة، وايجاب الحد يحتاج إلى دليل وأيضا الشهادة لم تكمل بفعل واحد وإنما هي شهادة على فعلين لأن الزنا طوعا غير الزنا كرها (1).
وحاصل الاستدلال على استقرار الحد عليه كما هو مختاره في المبسوط هو تمام الشهادة وكمالها بالنسبة إلى زناه لأن المرأة سواء كانت مكرهة في زناها أو مطاوعة فإن الرجل قد زنى بها فيجب عليه الحد لتحقق الشهادة المعتبرة بالنسبة إليه.
وقد مال إلى ذلك صاحب الجواهر فإنه بعد أن نقل الاستدلال على وجوب الحد بالاتفاق على الزنا الموجب للحد على كلا التقديرين قال:
والاختلاف إنما هو في قول الشهود لا في فعله (2).
وفيه أن منشأ الاختلاف في القول اختلاف المقول ولولا اختلاف المقول لاتحد القول، فإذا قال بعضهم: إنه قد زنى مكرها لها وقال آخرون: إنه قد زنى بها وهي قد طاوعته فالاختلاف إنما هي في قسمي الزنا المختلفين وذلك لأن زنا المكره قسم وزنا غير المكره قسم آخر، والشاهد على ذلك أن الأول موجب للقتل والثاني للحد جلدا أو رجما وحينئذ فلم يتحقق أربعة شهود على فعل واحد فإن هذا الزنا فرد خاص والآخر فرد آخر منه غير الأول، فيقال زنا اكراهي وزنا مطاوعي فهما موضوعان متباينان ولهما حكمان مختلفان لا تعلق لأحدهما بالآخر وهذا نظير تردد القاتل بين هذا وذاك الذي لا يمكن الاقتصاص هناك. وعلى الجملة فلا يجوز اجراء الحد على الفعل المردد.
قال الشهيد الثاني: إذا شهد بعض الأربعة على رجل بأنه زنى بفلانة مكرها لها في ذلك الزنا وشهد الباقون بأنه زنى بها مطاوعة له فيه فلا حد على