وتقوم الكفرة في هذا البيان على قاعدة عامة في باب التعارض وهي: أنه متى تعارضت طائفتان من الأخبار، وكان إحداهما صريحة كلها في النفي مثلا، وكان في الطائفة الأخرى ما هو صريح في الإثبات وما هو ظاهر فيه.. فلا يلتزم بسقوط الجميع في درجة واحدة، لأن ما هو ظاهر في الإثبات لا يمكن أن يعارض ما هو صريح في النفي، إذا كانت الصراحة بدرجة تصلح للقرينية عرفا. فالصريح في النفي يعارض الصريح في الإثبات فقط، وبعد التساقط يرجع إلى الظاهر في النفي، بدون معارض في درجته.
وهذه القاعدة العامة وإن لم تكن مقررة عمليا عند الفقهاء، ولكنها في الحقيقة تمديد لقاعدة مقررها عندهم نظريا وعمليا، وهي اللا رجوع إلى العام الفوقي بعد تساقط الخاصين، فإن نفس الفكرة التي تبرهن على أن العام لا يقع طرفا للمعارضة في مستوى الخاصين، تدل على ذلك بالنسبة إلى أمثال المقام.
وهذا الوجه يتوقف على تعيين تساقط الصريحين، وعدم ترجيح أحدهما وسيأتي بيان المرجح.
الثالث: مبني على انقلاب النسبة، بدعوة: أن النصين متعارضان بنحو التباين، وأخبار التحليل تقيد النص الدال على عدم تملك المحيي وثبوت الخراج عليه، وتخرج عن تحته الأفراد الذين شملهم التحليل، فيصبح النص بسبب ذلك أخص مطلقا من النص النافي للخراج مطلقا، وترتفع المعارضة بالتخصيص.
ويرد عليه - مضافا إلى الإشكال في كبرى انقلاب النسبة - أن انقلاب النسبة بين العامين المتباينين إنما يتم، إذا ورد خاص موافق لأحدهما مخالف للآخر ليحمل العام الموافق على مورد الخاص. وفي المقام أخبار التحليل وإن كانت مخالفة أو مخصصة لما دل على ثبوت الخراج، إلا أنها ليست موافقة العام النافي للخراج، والدال على تملك المحيي لرقبة الأرض، لأن ظاهر العام النافي هو بيان الحكم الإلهي الكلي لا التحليل المالكي كما هو مفاد أخبار التحليل.
ويؤيد ذلك ورود بعض روايات الطائفة النافية في مورد اليهودي والنصراني،