المنتجين مباشرة ودور الوسيط التاجر - كان يسبقه عمل من أعمال الإنتاج، ممن ينقل ملكية المال إلى غيره ويحصل على ثمنه. ففي الدور الأول: كان منتج الصوف يمارس بنفسه عملية إنتاج الصوف، ثم يبيعه وينقل ملكيته إلى آخر بعوض. وفي الدور الثاني: كان الوسيط يمارس عملية نقل الصوف إلى السوق، والمحافظة عليه واعداده في متناول يد المستهلك متى أراد. وهذا لون من الإنتاج كما عرفنا قبل لحظات.
وهذا يعني أن الفوائد التي يجنيها البائع من نقل ملكية المال إلى غيره بعوض - وهي ما نسميه الآن بالأرباح - كانت نتيجة لعمل إنتاجي، يمارسه البائع، ولم تكن نتيجة لنفس عملية نقل الملكية.
ولكن سيطرة الدوافع الأنانية على التجارة أدت إلى تطويرها، وانحرافها عن وضعها الطبيعي، الذي كان ناتجا، حاجة موضوعية سليمة، وبخاصة في عصر الرأسمالية الحديثة ونتج عن ذلك انفصال التداول في كثير من الأحيان عن الإنتاج، وأصبح نقل الملكية عملية تقصد لذاتها، دون أن يسبقها أي عمل إنتاجي من الناقل وتمارس لأجل الحصول على فوائد وأرباح. فبينما كانت التجارة مصدرا لهذه الفوائد والأرباح، بوصفها شعبة من الإنتاج، أصبحت مصدرا لذلك لمجرد كونها عملية قانونية لنقل الملكية. ولهذا نجد في تجارة الرأسمالية: أن العمليات القانونية لنقل الملكية قد تتعدد على مال واحد، تبعا لتعدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك، لا لشيء، إلا لكي يحصل أكبر عدد ممكن من التجار الرأسماليين على أرباح تلك العمليات ومكاسبها.
ومن الطبيعي يرفض الإسلام هذه الانجراف الرأسمالي في عمليات التداول، لأنه يتعارض مع مفهومه عن المبادلة نظرته إليها بوصفها جزءا من الإنتاج كما قلنا آنفا. ولهذا هو يعالج قضايا التداول وينظمها دائما في ضوء نظريته الخاصة اليه، ويتجه إلى عدم فصل التداول تشريعيا، في التنظيمات القانونية لعقود المقايضة.. عن الإنتاج فصلا حاسما.