وعلى أساس هذا التحديد للعمل المنفق الذي يضم كلا النوعين نستطيع أن نضيف إلى أدوات الإنتاج الدار التي سمح الإسلام لصاحبها بإيجارها والحصول على كسب نظير انتفاع الآخرين بها، فان الدار هي الأخرى أيضا مختزن لعمل سابق ناجز يستهلكه ويبدده الانتفاع بالدار ولو في مدى بعيد فيكون لصاحب الدار الحق في الحصول على مكافأة لقاء العمل المختزن في الدار الذي يستهلكه المستأجر خلال الانتفاع بها.
وكذلك أيضا الأرض الزراعية التي يدفعها صاحبها إلى المزارع نظير أجرة، فان صاحب الأرض، يستمد حقه فيها من العمل الذي بذله عليها لاحيائها وتذليل تربتها واعدادها، ويزول حقه حين يستهلك هذا العمل وتزول آثاره، كما مر في نصوص: فقهية متقدمة، فمن حقه ما دام له عمل مجسد وجهد مختزن في الأرض أن يتقاضى أجرة من المزارع لقاء انتفاعه بها واستثماره لها لأن استغلال المزارع للأرض يستهلك شيئا من العمل الذي بذل فيها خلال عمليات الاحياء.
فالأجرة في الحدود المسموح بها في النظرية تقوم دائما على أساس عمل لفرد يستهلكه آخر خلال مشروع فيدفع أجرة لصاحب الملك المستهلك في مقابل ذلك، ولا فرق بين أجرة العمل وأجرة أدوات الإنتاج والعقار والأرض الزراعية في هذا الأساس، وإن اختلفت طبيعة الصلة التي تربط صاحب الأجرة بالعمل، فالعمل المأجور جهد مباشر يقوم الأجير بايجاده واستهلاكه لحساب صاحب المشروع خلال عملية الإنتاج، وأما العمل المختزن في أداة الإنتاج مثلا فهو جهد قد تم انفصاله عن العامل، واختزانه في الأداة في زمان سابق، ولهذا يباشر استهلاكه خلال المشرع شخص آخر غير العامل. فالأجرة التي يتسلمها الأجير هي أجرة على عمل آني حققه واستهلكه الأجير بنفسه. والأجرة التي يستلمها صاحب الأداة هي في الحقيقة أجرة على عمل سابق، اختزنه صاحب الأداة في أداته، واستهلكه صاحب المشروع في عمليته.
هذا هو المدلول الايجابي للقاعدة التي تفسر الكسب الناتج عن ملكية مصادر الإنتاج. وقد عرفنا أن هذا المدلول ينعكس في جميع المجالات التي يسمح فيها بالأجرة والكسب نتيجة لملكية المصادر المنتجة.