وهكذا لا يمكن للتفسير التاريخي، ان ينجو من الحركة الدائرية العقيمة في مجال البحث، إلا إذا وضع يده على وسائل الإنتاج، كسبب أعلى للتاريخ والمجتمع:
هذا هو الدليل الفلسفي، وقد حرصنا على عرضه بأفضل صورة ممكنة، ويعد أهم كتاب استهدف بمجموعة بحوثه كلها، التركيز على هذا اللون من الاستدلال: (فلسفة التاريخ)، للكاتب الماركسي الكبير بليخانوف وقد لخصنا الدليل الآنف الذكر من مجموعة بحوثه.
والآن بعد أن أدركنا، الدليل الفلسفي للنظرية، بشكل جيد أصبح من الضروري تحليل هذا الدليل ودرسه، في حدود الضرورة الفلسفية، القائلة: ان الأحداث لا تنشأ صدفة (مبدأ العلية).
فهل هذا الدليل الفلسفي صحيح؟. هل صحيح أن التفسير الوحيد الذي تنحل به المشكلة الفلسفية للتاريخ هو تفسيره بوسائل الإنتاج؟.
ولكي نمهد للجواب على هذا السؤال، نتناول نقطة واحدة بالتحليل، تتصل بوسائل الإنتاج، التي اعتبرتها الماركسية السبب الأصيل للتاريخ. وهذه النقطة هي: أن وسائل الإنتاج ليست جامدة ثابتة، بل هي بدورها أيضا تتغير وتتطور على مر الزمن، كما تتغير أفكار الإنسان وأوضاعه الاجتماعية، فتموت وسيلة إنتاج، وتولد وسيلة أخرى. فمن حقنا أن نتساءل: عن السبب الأعمق الذي يطور القوى المنتجة، ويكمن وراء تاريخها الطويل، كما تساءلنا عن الأسباب والعوامل التي تصنع الأفكار، أو تصنع الأوضاع الاجتماعية.
ونحن حين نتقدم بهذا السؤال إلى بليخانوف - صاحب الدليل الفلسفي - وأضرابه. من كبار الماركسيين، لا ننتظر منهم الاعتراف بوجود سبب أعمق للتاريخ، وراء القوى المنتجة لأن ذلك يناقض الفكرة الأساسية، في المادية التاريخية، القائلة بأن وسائل الإنتاج هي المرجع الأعلى في دنيا التاريخ. ولهذا فإن هؤلاء حين يجيبون على سؤالنا، يحاولون أن يفسروا تاريخ القوى المنتجة وتطورها بالقوى المنتجة ذاتها، قائلين: إن قوى الإنتاج، هي التي تطور نفسها، فيتطور تبعا لها المجتمع