فالاشراط في هذه الحالات إشراط طبيعي. ويحصل هذا الاشراط، تارة أخرى، نتيجة لقصد معين، كما في سلوكنا مع الطفل، إذ نقدم له شيئا كالحليب، ونكرر له أسمه، حتى يربط بين الكلمة والشيء. ويصبح الاسم منبها شرطيا للطفل، نتيجة للطريقة التي اتبعناها معه.
ولا شك في أن عدة من الأصوات والأحداث، قد اقترنت بمنبهات طبيعية، عبر حياة الإنسان، وإشطرت بها إشراطا طبيعيا. وأصبحت بذلك تطلق إستجابات معينة، في ذهن الانسان. وأما أدوات اللغة - على وجه العموم - وألفاظها، التي تم إشراطها خلال عملية اجتماعية، فهي إنما أشرطت نتيجة لحاجة الإنسان، إلى التعبير عن أفكاره ونقلها إلى الآخرين، أي أنها وجدت في حياة الإنسان، لأنه كائن مفكر، يريد التعبير عن أفكاره. إلا أن الانسان أصبح كائنا مفكرا، بسبب أن اللغة وجدت في حياته. وإلا فلماذا وجدت في حياته خاصة، ولم توجد في حياة سائر أنواع الحيوان؟!. فاللغة ليست أساس الفكر، وإنما هي أسلوب خاص للتعبير عنه، اتخذه الإنسان منذ أبعد العصور، حين وجد نفسه - وهو يخوض معركة الحياة، مع أفراد آخرين - بحاجة ملحة إلى التعبير عن أفكاره، وتفهم أفكار الآخرين، في سبي لتيسير العمليات التي يقومون بها، وتحديد الموقف المشترك أمام الطبيعة، وضد القوى المعادية.
وإنما تعلم الانسان أن يتخذ هذا الأسلوب - أسلوب اللغة - بالذات، للتعبير عن أفكاره في ضوء ما تم بفعل الطبيعة، أو المصادفة، من إشراط بعض الأصوات ببعض المنبهات الطبيعية، عن طريق اقترانها بها مرارا. فقد استطاع الانسان أن ينتفع بذلك، في نطاق أوسع، فوجدت اللغة في حياته.
وهكذا نعرف، أن اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية، إنما نجمت عن إحساس الانسان، خلال العمل الاجتماعي المشترك، بالحاجة إلى ترجمة أفكاره، والإعلان عنها، وليست هي التي خلقت من الانسان كائنا مفكرا.
وعلى هذا الأساس، نستطيع أن نعرف: لماذا ظهرت اللغة في حياة الإنسان، دون غيره من أنواع الحيوان، كما ألمحنا سابقا؟. بل أن نعرف أكثر من ذلك: لماذا وجد