وتتطور طبقا لها؟ وبكلمة أخرى ما هو السبب الأصيل للمجتمع والتاريخ؟
وليس أمامنا - في هذا الحال - لاستكشاف أسباب الوضع الاجتماعي وتفسيره إلا أحد سبيلين:
الأول: أن نرجع إلى الوراء خطوة، فنكرر الرأي السابق، القائل بتفسير الأوضاع الاجتماعية بمختلف ألوانها السياسية والاقتصادية وغيرها بالأفكار والآراء. ونكون حينئذ قد درنا في حلقة مفرغة. لأننا قلنا أولا: أن الآراء والأفكار وليدة الأوضاع الاجتماعية. فإذا عدنا لنقول: ان هذه الأوضاع نتيجة للأفكار والآراء، رسمنا بذلك خطا دائريا، ورجعنا من حيث أردنا أن نتقدم.
وهذا السبيل هو الذي سار فيه المفسرون المثاليون للتاريخ جميعا. قال بليخانوف:
((وجد هيجل نفسه، في ذات الحلقة المفرغة، التي وقع فيها علماء الاجتماع، والمؤرخون الفرنسيون. فهم يفسرون الوضع الاجتماعي، بحالة الأفكار وحالة الأفكار بالوضع الاجتماعي... وما دامت هذه المسألة بلا حل، كان العلم لا ينفك عن الدوران في حلقة مفرغة، بإعلانه: أن (ب) سبب (أ)، مع تعيينه (أ) كسبب ل - (ب) (1).
والسبيل الآخر - سبيل الماركسية -: أن نواصل تقدمنا في التفسير والتعليل، وفقا لمبدأ العلية. ونتخطى أفكار الانسان وآرائه، وعلاقاته الاجتماعية بمختلف أشكالها، نتخطاها لأنها كلها ظواهر اجتماعية، تحدث وتتطور، فهي بحاجة إلى تعليل وتفسير. ولا يبقى علينا في هذه اللحظة الحاسمة، من تسلسل البحث، إلا أن نفتش عن سر التاريخ، خارج نطاق الطبيعة التي يمارسها الإنسان منذ أقدم العصور. أن قوى الإنتاج هذه، هي وحدها التي يمكنها ان تجيب على السؤال، الذي كنا نعالجه: لماذا وكيف حدثت الأحداث لا تخضع للمصادفة، وإن لك حادثة سببها الخاص (مبدأ العلية)؟.