على اقتصاد لا يعترف بحرية تملك منابع الملح والنفط، ولا بأخذ المزيد من تلك المنابع، مما يضيق على الآخرين ويضيع حقهم في الانتفاع بالمنبع.. هل يمكن أن يطلق على هذا الاقتصاد: اسم الاقتصاد الرأسمالي؟!، أو أن يبعث في نفوسنا إحساسا باللون الرأسمالي للمذهب نظير ما بعثه التطبيق من إحساس بذلك في نفوس البعض.
فيجب أن نعرف إذن: أن إنسان عصر التطبيق كان يستشعر الحرية في مجالات العمل والاستغلال، وحتى الاستفادة من منابع الملح والبترول مثلا، لأجل أنه لم يكن يستطع في الغالب - بحكم ظروف الطبيعة، وانخفاض مستوى وسائله وبدائيتها - أن يعمل ويشتغل خارج الحدود المسموح بها من قبل النظرية. فهو لا يتمكن مثلا أن يستخرج من المادة المعدنية كميات هائلة - كالكميات الهائلة التي تستخرج اليوم - لأنه لم يكن مجهزا ضد الطبيعة بما جهز به الانسان الحديث، فلا يصطدم في واقع حياته بتحديد الكمية التي يباح له استخراجها، لأنه مهما أراد أن يستخرج بوسائله البدائية، فلن يستخرج في الغالب القدر الذي يضر بشركة الآخرين معه في الانتفاع بالمعدن. وإنما يبرز أثر النظرية بشكل صارخ، وينعكس تناقضها مع التفكير الرأسمالي، حين ترتفع إمكانات الانسان، وتنمو قدرته على غزو الطبقة ويصبح بإمكان أفراد قلائل أن يستغلوا معدنا بكامله، ويجدوا في أسواق العالم المترابطة والمفتوحة كلها مجالا لأعظم الأرباح.
وكذلك أيضا نرى مثل هذا تماما في النظرية، التي لا يسمح للفرد بأن يملك من الثروات الطبيعية والمواد الخام - كخشب الغابات مثلا - إلا ما يباشر بنفسه حيازته وإنتاجه. فإن هذه النظرية لا يمكن لإنسان عصر التطبيق أن يحس بها في حياته العملية إحساسا واضحا عميقا. ما دام العمل في ذلك العصر يقوم بصورة عامة على أساس المباشرة وما بحكمها ولكن حين تتضخم الكمية التي يمكن استخراجها وحيازتها تضخما هائلا، بسبب الأدوات والآلات، مع كمية من النقد التي يكن أن تسدد منها أجور العمال. حين يتم كل ذلك، يصبح في مستوى قدرة ذلك الفرد