للنظرية، كما يقول أولئك المؤمنون برأسمالية الاقتصاد الإسلامي، الذين يتهمون الاتجاه إلى تفسير الاقتصاد الإسلامي اتجاها لا رأسماليا، ويقولون عنه: إنه اتجاه منافق، يحاول إدخال عناصر غريبة في الإسلام، تملقا للمد الفكري الحديث، الذي شجب الرأسمالية في الحرية والملكية....
ونحن نملك الدليل التاريخي على تفنيد هذا الاتهام، وإثبات أمانة الاتجاه اللا رأسمالي في تفسير الاقتصاد الإسلامي، وهذا الدليل هو النصوص التشريعية والفقهية، التي نجدها في مصادر قديمة، يرجع تاريخها إلى ما قبل مئات السنين، وقبل أن يوجد العالم الحديث والاشتراكية الحديثة، بكل مذاهبها وأفكارها.
وحين نبرز التوجه اللا رأسمالي للاقتصاد الإسلامي، الذي يعرضه هذا الكتاب، ونؤكد على المفارقات بينه وبين المذهب الرأسمالي في الاقتصاد.. لا نريد بذلك أن نمنح الاقتصاد الإسلامي طابعا اشتراكيا، وندرسه في إطار المذاهب الاشتراكية، بوصفها النقيض للرأسمالية. لأن التناقض المستقطب القائم بين الرأسمالية والاشتراكية، يسمح بافتراض قطب ثالث في هذا التناقض، ويسمح للاقتصاد الإسلامي خاصة أن يحتل مركز القطب الثالث، إذا أثبت التناقض. وإنما يسمح التناقض بدخول قطب ثالث إلى الميدان، لأن الاشتراكية ليست مجرد نفي للرأسمالية، حتى يكفي لكي تكون اشتراكيا أن ترفض الرأسمالية، وإنما هي مذهب إيجابي له أفكاره ومفاهيمه ونظرياته. وليس من الحتم أن تكون هذه الأفكار والمفاهيم والنظريات صوابا إذا كانت الرأسمالية على خطأ. ولا أن يكون الإسلام اشتراكيا، إذا لم يكن رأسماليا. فليس من الأصالة والاستقلال والموضوعية في البحث، ونحن نمارس عملية اكتشاف للاقتصاد الإسلامي.. أن نحصر هذه العملية ضمن نطاق التناقض الخاص بين الرأسمالية والاشتراكية، ويندمج الاقتصاد الإسلامي بأحد القطبين المتناقضين، فنسرع إلى وصفه بالاشتراكية إذا لم يكن رأسماليا، أو بالرأسمالية إذا لم يكن اشتراكيا.