الماركسية، بمطلقاتها وأبدياتها النهائية.
وفات هؤلاء جميعا كما فات ماركس قبلهم، أنهم ليسوا إزاء حقيقة مطلقة أبدية، وإنما هم إزاء فكرة استوحاها ماركس من ظروفه، والأجواء الفكرية والسياسية التي كان يعيشها، ثم وضع عليها المساحيق العلمية، وأعلنها قانونا مطلقا، لا تقبل التخصيص والاستثناء.
وليس من شاهد على ذلك أقوى، من تناقض الاشتراكية الماركسية - كما أشرنا سابقا - واتخاذها في الشرق طابعا ثوريا، وفي الغرب طابعا ديمقراطيا إصلاحيا. فإن هذا التناقض، لا يعبر في الحقيقة عن الاختلاف في فهم الماركسية، بمقدار ما يعبر عن مدى محدودية المفهوم الماركسي، لظروفه الاجتماعية الخاصة، حيث نستنتج منه أن الثورية الماركسية، لم تكن من حقائق التاريخ المطلقة، التي تكشفت لماركس في لحظه من الزمن، وإنما هي تعبير عن الظروف التي عاشها ماركس، وحين تطورت هذه الظروف في أوروبا الغربية، وتكشفت عن أشياء جديدة، أصبحت تلك الفكرة غير ذات معنى، بالرغم من احتفاظها بقيمتها في أوروبا الشرقية، التي لم تحدث فيها تلك الأشياء.
ولا نريد بهذا أننا نؤمن، بأن كل نظرية لابد أن تكون نابعة من الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وإنما هدفنا أن نقرر:
أولا: ان بعض الأفكار والنظريات، تتأثر بالظروف الموضوعية للمجتمع فتبدو وكأنها حقائق مطلقة مع انها لا تعبر إلا عن الحقيقة، في حدود تلك الظروف الخاصة. ومن تلك الأفكار والنظريات بعض مفاهيم ماركس عن التاريخ.
ثانيا: ان جميع مفاهيم ماركس عن التاريخ، يجب ان تكون - في حكم المادية التاريخية ووفقا لنظرية المعرفة الماركسية - حقائق نسبية، نابعة عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، التي عاصرتها، ومتطورة تبعا لتطورها. ولا يمكن أن أن تؤخذ المادية التاريخية: بوصفها حقيقة للتاريخ. ما دامت النظريات نتاجا للظروف النسبية المتطورة كما تؤكد ذلك الماركسية نفسها.