الظروف الاجتماعية، التي أوحت إلى ماركس بحتمية الثورة وضرورتها التاريخية. آمنوا بأن الثورة من القوانين الأبدية للتاريخ. مع أنها لم تكن في الحقيقة، إلا فكرة استوحاها ماركس، من الظروف التي عاشها، ثم قفز بها إلى مصاف القوانين المطلقة للتاريخ.
فقد عاصر ماركس، رأسمالية القرن التاسع عشر، تلك الرأسمالية المطلقة، المتميزة بظروفها السياسة والاقتصادية الخاصة. فبدا له أن التلاحم الثوري، أقرب ما يكون إلى الوقوع، وأوضح ما يكون ضرورة. لأن البؤس والنعيم والفقر والغنى، في ظل الرأسمالية المطلقة، كانا يتزايدان باستمرار ودون عائق. وكانت الظروف السياسية مظلمة إلى حد كبير فتفتق ذهن ماركس، عن فكرة النضال الطبقي، الذي يستشري ويزداد تناقضا، يوما بعد يوم، حتى ينفر البركان ويحل التناقض بالثورة. فآمن بأن الانقلاب الثوري من قوانين التاريخ العامة. ومات ماركس واختلفت الأوضاع الاجتماعية في أوروبا الغربية، وأخذت الظروف السياسية والاقتصادية، ولم يتسع البؤس، بل أخذ بالانكماش نسبيا، وأثبتت التجارب السياسية، أن بالإمكان تحقيق مكاسب مهمة للجمهور البائس، بخوض المعترك السياسي دون ما ضرورة لتفجير البركان بالدماء.
وسار الماركسيون الاشتراكيون في اتجاهين مختلفين: أحدهما: الاتجاه الإصلاحي الديمقراطي والآخر: الاتجاه الانقلابي الثوري. فالاتجاه الأول، كان هو الاتجاه العام للاشتراكية، في عدة من الأقطار الأوروبية الغربية، التي بدا للاشتراكيين، في ضوء ما حصل لها من تقدم سياسي واقتصادي، ان الثورة أصبحت غير ضرورية. وأما الاتجاه الثاني، فقد سيطر على الحركة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، التي لم تشهد ظروفا فكرية وسياسية واقتصادي، مماثلة لظروف الغرب. وقام الصراع بين الاتجاهين الماركسيين، حول تفسير الماركسية، لحساب هذا الاتجاه أو ذاك. وقدر أخيرا للاتجاه الثوري، في أوروبا الشرقية أن ينجح. فهلل له الاشتراكيون الثوريون، واعتبروه الدليل الحاسم على: أن الاتجاه الثوري، هو الذي تتجسد فيه