أي على أساس اللبنات الفوقية في الصرح الإسلامي، وعلى هدى الأحكام التي نظم بها الإسلام العقود والحقوق.
فنحن ننطلق من الطابق العلوي وندرج منه إلى الطابق المتقدم لأننا نمارس عملية اكتشاف. وأما أولئك الذين يمارسون عملية التكوين ويحاولون تشييد البناء لا اكتشافه، فهم يصعدون من الطابق الأول إلى الثاني، لأنهم يمارسون عملية بناء وتكون، والطابق الثاني لا يكون في عملية البناء إلا أخيرا.
هكذا نختلف في موقفنا منذ البدء عن موقف الرواد المذهبين من الرأسماليين والاشتراكيين، بل نختلف أيضا حتى عن أولئك الذين يدرسون المذاهب الرأسمالية والاشتراكية دراسة اكتشاف وتحديد، لأن هؤلاء بامكانهم دراسة هذه المذاهب عن طريق الاتصال بها مباشرة، وفقا لصيغها العامة التي بشر بها رواد تلك المذاهب، فليس التعرف على المذهب الاقتصادي ل - (آدم سميت) مثلا متوقفا على أن ندرس أفكاره القانونية في المجال المدني، والطريقة التي يفضلها في تنظيم الالتزامات والحقوق، بل يمكننا الإندماج ابتداء مع فكره المذهبي في المجال الاقتصادي. وعلى العكس من ذلك حين نريد أن نتعرف على كثير من محتوى المذهب الاقتصادي الذي يؤمن به الإسلام، فإننا ما دمنا لا نستطيع أن نجد الصيغة المحددة لذلك في مصادر الإسلام، كما نجدها عند (آدم سميت) فسوف نضطر بطبيعة الحال إلى تتبع الآثار، واكتشاف المذهب بصورة غير مباشرة، عن طريق معالمه المنعكسة في لبنان فوقية من الصرح الإسلامي.
وهذا هو الذي يجعل عملية الاكتشاف التي يمارسها المفكر الإسلامي تظهر أحيانا بشكل مقلوب، بل قد يبدو أنها لا تميز بين المذهب والقانون المدني حين تستعرض أحكاما إسلامية في مستوى القانون المدني، وهي تريد أن تدرس المذهب الاقتصادي في الإسلام، ولكنها في الواقع على حق ما دامت تستعرض تلك الأحكام بوصفها بناء علويا للمذهب قادرا على الكشف عنه، لا باعتبار أنه هي المذهب الاقتصادي والنظريات الاقتصادية نفسها.