ولا ينفذ إلى الأعماق. قال أنجلز:
((وبالنسبة الينا نجد في ميدان التاريخ، أن المادية القديمة، لا تصدق مع ذاتها، لأنها تعتبر القوى المثالية المحركة في التاريخ عللا نهائية، وذلك بدلا من البحث عما وراءها أي البحث عن القوى المحركة الفعلية، الكامنة وراء هذه القوى المثالية فحسب، بل في عدم مواصلة البحث وراء هذه القوى، حتى يمكن إزاحة الستار عن العلل المحركة)) (1).
وأنا لا أريد في مجال بحثي هذا أن أتناول المادية الفلسفية، لأن ذلك ما قمت به في الحلقة الأولى (فلسفتنا). وإنما أقصد أن أدرس هذا الربط، الذي تزعمه الماركسية، أو بعض كتابها، بين المادية الفلسفية، والمادية التأريخية، بطرح السؤال التالي: هل من الضروري، على أساس المادية الفلسفية، أن نفسر التاريخ كما تفسره الماركسية، ونشد عجلته منذ فجر الحياة إلى الأبد، بوسائل الإنتاج؟.
ولدى الجواب على هذا السؤال، يجب أن نميز بوضوح، المفهوم الفلسفي للمادية، عن مفهومها التاريخي عند الماركسية. فإن التباس أحد المفهومين بالآخر، هو الذي أدى إلى التأكيد الآنف الذكر: على الارتباط بينهما، وعلى أن كل فلسفة مادية لا تتبنى تفكير ماركس للتاريخ فهي لا تستطيع أن تقف على قدميها، في ميدان البحث التاريخي، ولا أن تتحرر من المثالية، في مفاهيمها التاريخية، تحررا نهائيا.
والحقيقة هي: أن المادية بمفهومها الفلسفي، تعني أن المادية بظواهرها المتنوعة، هي الواقع الوحيد، الذي يشمل كل ظواهر العالم، وألوان الوجود فيه. وليست الروحيات، وكل ما يدخل في نطاقها، من أفكار، ومشاعر، وتجريدات، إلا نتاجا ماديا، وحصيلة للمادة في درجات خاصة، من تطورها ونموها. فالفكر مهما بدا رفيعا وعاليا عن مستوى المادة فهو لا يبدو في منظار المادية الفلسفية، إلا نتاجا للنشاط الوظيفي للدماغ. ولا يوجد واقع خارج حدود المادة، ووجوهها المختلفة،