الاقتصاد المقفل لا يفسح مجالا للمبادلة، ما دام كل منتوج يستوعب بإنتاجه كل حاجاته البسيطة ويكتفي بما ينتجه من سلع.. وإنما تبدأ المبادلة دورها الفعال على الصعيد الاقتصادي، حين تتنوع حاجات الإنسان وتنمو، وتتعدد السلع التي يحتاجها في حياته ويصبح كل فرد عاجزا بمفرده عن إنتاج كل ما يحتاجه من تلك السلع بأنواعها وأشكالها المختلفة، فيضطر المجتمع إلى تقسيم العمل بين أفراده، ويأخذ كل منتج - أو فئة من المنتجين - بالتخصيص في إنتاج سلعة معينة من السلع المختلفة التي يحسن إنتاجها أكثر من غيرها، ويشبع حاجاته الأخرى بمبادلة الفائض من السلع التي ينتجها، بما يحتاجه من السلع التي ينتجها الآخرون، فتبدأ المبادلة في الحياة الاقتصادية بوصفها وسيلة لإشباع حاجات المنتجين، بدلا عن تكليف كل منتج بإشباع حاجاته كلها بإنتاجه المباشر.
وهكذا تنشأ المبادلة تيسيرا للحياة، وتجاوبا مع اتساع الحاجات واتجاه الإنتاج إلى التخصيص والتطور.
وعلى هذا الأساس نعرف: أن المبادلة في الحقيقة تعمل في الحياة الاقتصادية للمجتمع بوصفها واسطة بين الإنتاج والاستهلاك، أو بتعبير آخر بين المنتجين والمستهلكين. فالمنتج يجد دائما عن طريق المبادلة والمستهلك الذي يحتاج إلى السلعة التي ينتجها، وهذا المستهلك بدوره ينتج سلعة من نوع آخر ويحصل في المبادلة على المستهلك الذي يشتريها.
ولكن ظلم الإنسان - كما يعبر القرآن الكريم - الذي حرم الإنسانية من بركات الحياة وخيراتها، وتدخل في مجال التوزيع على حساب هذا الحق أو ذاك.. سرى أيضا إلى المبادلة حتى طورها وصيرها أداة استغلال وتعقيد، لا أداة إشباع للحاجات وتيسير للحياة، وواسطة بين الإنتاج والادخار لا بين الإنتاج والاستهلاك. فنشأ عن الوضع الظالم للمبادلة من المآسي وألوان الاستغلال، نظير ما نشأ عن الأوضاع الظالمة للتوزيع في مجتمعات الرق والإقطاع، أو في مجتمعات الرأسمالية والشيوعية.