ويختلف الإسلام أيضا عن الاقتصاد الاشتراكي، القائل: ان الفرد هو الذي يمنح المادة قيمتها التبادلية بعمله، فالمواد الطبيعية كالخشب والمعادن وغير ذلك من ثروات الطبيعة.. لا تستمد قيمتها - في رأي الإسلام - من العمل، بل قيمة كل مادة حصيلة الرغبة الاجتماعية العامة في الحصول عليها، كما أوضحنا ذلك في دراستنا للمادية التاريخية.
وإنما العمل في نظر الإسلام سبب لملكية العامل لنتيجة عمله، وهذه الملكية الخاصة القائمة على أساس العمل، تعبير عن ميل طبيعي في الإنسان إلى تملك نتائج عمله، ومرد هذا الميل إلى السيطرة على نتائج العمل ومكاسبه، وبذلك تكون الملكية القائمة على أساس العمل حقا للانسان نابعا من مشاعره الأصيلة، وحتى المجتمعات التي تحدثنا الشيوعية عن انعدام الملكية الخاصة فيها، لا تدحض حق الملكية القائم على أساس العمل بوصفه تعبيرا عن ميل أصيل في الإنسان.. وإنما تعني أن العمل في تلك المجتمعات كان يجمل طابعا اشتراكيا، فكانت الملكية القائمة على أساسه اشتراكية أيضا. فالحقيقة هي الحقيقة، والميل الطبيعي إلى التملك على أساس العمل ثابت على أي حال، وإن اختلفت نوعية الملكية لاختلاف شكل العمل: من ناحية كونه فرديا أو اجتماعيا.
فالعمل إذن أساس لتملك العامل في نظر الإسلام، وعلى هذا الأساس فهو أداة رئيسية في جهاز التوزيع الإسلامي، لأن كل عامل يحظى بالثروات الطبيعية التي يحصل عليها بالعمل، ويمتلكها وفقا لقاعدة: إن العمل سبب الملكية.
وهكذا نستطيع أن نستخلص في النهاية المواقف المذهبية المختلفة، من الصلة الاجتماعية بين الفرد العامل ونتيجة عمله.
فالقاعدة الشيوعية في هذا المجال: (إن العمل سبب لتملك المجتمع لا الفرد).
والقاعدة الاشتراكية: (إن العمل سبب لقيمة المادة، وبالتالي سبب تملك العامل لها).
والقاعدة الإسلامية: (إن العمل سبب لتملك العامل للمادة، وليس سببا لقيمتها). فالعامل حين يستخرج اللؤلؤ لا يمنحه بعمله هذا قيمته وإنما يملكه بهذا العمل (1).
(1) لاحظ جواهر الكلام ج 38، ص 116.