هذه الحالة تفسح المجال للتنافس، الذي سرعان ما يؤدي إلى صراع عنيف، تحطيم فيه المشاريع القوية غيرها، وتبدأ باحتكار الإنتاج تدريجيا، حتى تختفي كل ألوان التنافس وثمرات مضمار الإنتاج. فالتنافس الحر بالمعنى الذي ينمي الإنتاج لا يواكب الحرية الرأسمالية إلا شوطا محدودا، ثم يخلي الميدان بعد ذلك للاحتكار، ما دامت الحرية الرأسمالية هي التي تمتلك الموقف الاقتصادي.
أما الخطأ الآخر الأساسي في الفكرة، فهو في تقدير قيمة الإنتاج كما ذكرنا. فهب أن الحرية الرأسمالية تؤدي إلى وفرة الإنتاج، وتنميته نوعيا وكميا، وإن التنافس الحر سيستمر في ظل الرأسمالية، ويحقق إنتاج السلعة بأقل نفقة ممكنة فإن هذا لا يبرهن على قدرة الرأسمالية على توفير سعادة المجتمع، وإنما يشير إلى قدرة المجتمع في ظلها على تحسين الإنتاج وتحقيق أكبر كمية ممكنة من السلع والخدمات. وليست هذه القدرة هي كل شيء في حساب الرفاه الاجتماعي، الذي يعتبر المذهب مسؤولا عن ضمانه، وإنما هي قدرة أو طاقة قد تنفق بالشكل الذي يكفل الرفاه والسعادة للمجتمع، كما قد تنفق بشكل معاكس. والشيء الذي يحدد الشكل الذي تنفق به الطاقة الاجتماعية للإنتاج، هو الأسلوب المتبع في توزيع الناتج العام على أفراد المجتمع. فالرفاه العام إذن لا يتعلق بكمية الناتج العام، بمقدار ما يتعلق بكيفية تقسيم هذا الناتج على الأفراد.
والمذهب الرأسمالي أعجز ما يكون عن امتلاك الكفاءة التوزيعية، التي تضمن رفاه المجتمع وسعادة الجميع، لأن الرأسمالية المذهبية تعتمد في التوزيع على جهاز الثمن، وهو يعني: أن من لا يملك ثمن السلعة ليس له حق في العيش والحياة. وبذلك يقضى بالموت أو الحرمان على من كان عاجزا عن اكتساب هذا الثمن لعدم قدرته على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات، أو لعدم تهئ فرصة للمساهمة، أو لوقوعه فريسة بيد منافسين في المجتمعات الرأسمالية، من أفجع الكوارث الإنسانية، لأن العامل حين يستغني الرأسمالي عن خدماته، لأي سبب من الأسباب، لا يجد الثمن