النتيجة، التي تستهدفها القيم الروحية والخلقة من ناحية موضوعية، ولكنها لا تحقق الجانب الذاتي من تلك القيم، ولا يتصنع من الإنسان إنسانا في عواطفه ومشاعره ودوافعه وبواعثه. فإن الأخلاق ليست ذات قيمة موضوعية فحسب، بل هي ذات قيمة ذاتية أيضا، لا تقل عن قيمتها الموضوعية في تكميل الحياة الإنسانية، وإشاعة روح السعادة والهناء النفسي فيها. وسوف نبحث في الفصل المقبل مسألة الدوافع الذاتية، وعلاقتها بالمصالح العامة بصورة أوسع.
ولندع الآن آثار الحرية الرأسمالية في المحتوى الداخلي للمجتمع الرأسمالي، ولنفترض - مع الأسطورة الرأسمالية: أن الدوافع الذاتية تضمن بنفسها تحقيق المصالح العامة. فهل يمكن لهذا الخيال المجنح، أن يقول مثل ذلك عن مصالح مختلف المجتمعات، وأن يزعم التوافق بين المصالح الخاصة للمجتمع الرأسمالي، وغيره من المجتمعات البشرية؟! وماذا يمنع المجتمع الرأسمالي، إذا كان يؤمن بالحرية الرأسمالية مجردة لحسابه، ويستبعدها لقضاء مآربه؟!.
والواقع التاريخي للرأسمالية، هو الذي يحب على هذا السؤال. فقد قاست الإنسانية أهوالا مروعة، على يد المجتمعات الرأسمالية، نتيجة لخوائها الخلقي وفراغها الروحي، وطريقتها الخاصة في الحياة. وسوف تبقى تلك الأهوال وصمة في تاريخ الحضارة المادية الحديثة، وبرهانا على: أن الحرية الاقتصادية التي لا تحدها حدود معنوية، من أفتك أسلحة الإنسان بالإنسان، وأفظعها إمعانا في التدمير والخراب. فقد كان من نتاج هذه الحرية مثلا، تسابق الدول الأوروبية بشكل جنوني على استعباد البشر الآمنين، وتسخيرهم في خدمة الإنتاج الرأسمالي. وتاريخ أفريقيا وحدها صفحة من صفحات ذلك السباق المحموم، تعرضت فيه القارة الإفريقية لطوفان من الشقاء، إذ قامت دول عديدة كبريطانيا وفرنسا وهولندة وغيرها باستيراد كميات هائلة من سكان أفريقيا الآمنين، وبيعهم في سوق الرقيق، وتقديمهم قرابين للعملاق الرأسمالي. وكان تجار تلك البلاد يحرقون القرى الإفريقية، ليضطر سكانها إلى الفرار