وتبلغ الحرية الطبيعية ذروتها في الإنسان، لأن الحقل العملي الذي منحته الطبيعة له أوسع الحقول جميعا. فبينما كانت الميول والشهوات الغريزية في الحيوان حدودا نهائية للحقل الذي يعمل فيه يستعمل الحيوان حريته إلا في حدود تلك الميول والشهوات.. لم يعد لها في حقل النشاط الحيوي للانسان تلك المنزلة، لأن الإنسان ركب تركيبا نفسيا، وعضويا خاصا، يمكنه من قهر تلك الشهوات، أو التحديد من مفعولها. فهو حر حتى في الانسياق مع تلك الشهوات أو معاكستها.
وهذه الحرية الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان، هي التي تعتبر بحق إحدى المقومات الجوهرية للانسانية، لأنها تعبير عن الطاقة الحيوية فيها. فالانسانية بدون هذه الحرية لفظ بدون معنى.
ومن الواضح أن الحرية بهذا المعنى خارجة عن نطاق البحث المذهبي، وليس لها أي طابع مذهبي، لأنها منحة الله للانسان، وليست منحة مذهب معين دون مذهب، لتدرس على أساس مذهبي.
وأما الحرية التي تحمل الطابع المذهبي، وتميز المذهب الرأسمالي، وتحلت القاعدة الرئيسية في كيانه.. فهي الحرية الاجتماعية، أي الحرية، التي يكسبها الفرد من المجتمع لا من الطبيعة. فإن هذه الحرية هي التي تتصل بالوجود الاجتماعي للانسان وتدخل ضمن نطاق الدراسات المذهبية والاجتماعية.
وإذا استطعنا أن نميز بوضوح، بين الحرية الطبيعية والحرية الاجتماعية أمكننا أن ندرك مدى الخطأ في منح الحرية الاجتماعية خصائص الحرية الطبيعية وفي القول: بأن الحرية التي يوفرها المذهب الرأسمالي، مقوم أساس: عدم التمييز بين الحرية الطبيعية بوصفها مقوما جوهريا للوجود الانساني، والحرية الاجتماعية بوصفها مسألة اجتماعية، يجب أن يدرس مدى كفاءتها لبناء مجتمع سعيد، وانسجامها مع القيم الخلقية التي نؤمن بها.