ولنأخذ الآن الحرية الاجتماعية بهذا الوصف لندرس موقف المذهب الرأسمالي منها، بعد أن استبعدنا من نطاق البحث المذهبي الحرية الطبيعية، وتعرفنا على الطابع المميز لكل من الحريتين.
ولدى تحليل هذا المفهوم، مفهوم: الحرية الاجتماعية.. نجد للحرية الاجتماعية محتوى حقيقي، وشكلا ظاهريا. فهي ذات جانبين: أحدهما: المحتوى الحقيقي للحرية أو - كما سنعبر عنه فيما بعد: الحرية الجوهرية. والآخر: الشكل الظاهري للحرية، ولنطلق عليه اسم: الحرية الشكلية. فهناك إذن الحرية الاجتماعية الجوهرية، والحرية الاجتماعية الشكلية.
أما الحرية الاجتماعية الجوهرية: فهي القدرة التي يكسبها الانسان من المجتمع على القيام بفعل شيء معين، وتعني هذه القدرة: أن المجتمع يوفر للفرد كل الوسائل والشروط التي يتطلبها القيام بذلك الفعل. فإذا كفل لك المجتمع أن تملك ثمن سلعة معينة، ووفر هذه السلعة في السوق، ولم يسمح لأي شخص آخر بالحصول على حق احتكاري في شراء السلعة... فأنت عندئذ حر في شراء السلعة، لأنك تتمتع اجتماعيا بكل الشروط التي يتوقف عليها شراء تلك السلعة. وأما إذا كان المجتمع لا يوفر لك ملكية الثمن، أو عرض السلعة في السوق، أو يمنح لغيرك وحده الحق في شرائها.. فليس لديك في الواقع حرية جوهرية، أو قدرة حقيقة على الشراء.
وأما الحرية الشكلية: فهي لا تتطلب كل ذلك، بل قد يكون الفعل مستحيلا بالنسبة إلى الفرد، كشراء السلعة بالنسبة إلى من لا يملك ثمنها.. ولكنه بالرغم من ذلك يعتبر حرا اجتماعيا من الناحية الشكلية، وإن لم يكن لهذه الحرية الشكلية أي محتوى حقيقي، لأن الحرية الشكلية في الشراء، لا تعني القدرة على الشراء فعلا، وإنما تعني بمدلولها الاجتماعي: سماح المجتمع للمرء - ضمن نطاق امكاناته وفرصته، التي يحددها موقفه في حلبة التنافس مع الآخرين - باتخاذ أي أسلوب يتيح له شراء تلك السلعة. فالإنسان الاعتيادي حر شكليا في شراء قلم، كما هو حر في شراء شركة رأسمالية، بقدر رأسمالها بمئات الملايين.. ما دام النظام الاجتماعي يسمح له بالقيام بأي علم، واتخاذ أي أسلوب في سبيل شراء تلك الشركة الضخمة. أو ذلك