الملكية الخاصة لكل وسائل الإنتاج، وعدم الاعتراف بمبدأ الملكية العامة إلى جانبه، ولا بحقوق ثابتة في الأموال الخاصة للضمان الاجتماعي، ولا بحدود خاصة لتصرفات المالكين في أموالهم. وأما إذا سمح المجتمع بالملكية الخاصة لوسيلة الإنتاج، ووضع إلى جانب ذلك مبادئ الملكية العامة لقسم كبير من وسائل الإنتاج، والضمان الاجتماعي، والحرية الاقتصادية المحدودة بحدود من المصلحة العامة، تحول دون تمركز الأموال في أيدي فئة قليلة.. أما إذا قام المجتمع بذلك كله، فلن يوجد في المجتمع الذي يوفق بين هذه المبادئ، ظل للبؤس أو ظاهرة من ظواهر الحاجة والشقاء التي نبعت من طبيعة النظام الرأسمالي في المجتمعات الأوربية.
وأما الاستعمار، فقد رأينا أن الماركسية تفسره تفسيرا اقتصاديا خالصا أيضا فتعتبره نتيجة حتمية للمرحلة العليا من الرأسمالية، حين تعود الأسواق والخيرات الداخلية، غير كافية لتمشية مصالح الطبقة الرأسمالية، فتضطر إلى امتلاك أسواق وخيرات البلاد الخارجية عن طريق الاستعمار.
ولكن الواقع: أن الاستعمار ليس تعبيرا اقتصاديا عن المرحلة المتأخرة من الرأسمالية، وإنما هو التعبير العملي بصورة أعمق عن العقلية المادية بمقاييسها الخلقية، ومفاهيمها عن الحياة، وأهدافها وغاياتها، فإن هذه العقلية هي التي جعلت الحصول على أكبر ربح مادي ممكن، هو الهدف الأعلى، بقطع النظر عن نوعية الوسائل، وطابعها الخلقي، ونتائجها في المدى البعيد.
والدليل على هذا من الواقع، أن الاستعمار بدأ منذ بدأت الرأسمالية وجودها التاريخي في المجتمعات الأوربية، بعقليتها ومقاييسها، ولم ينتظر حتى تصل الرأسمالية إلى مرحلتها العليا، ليكون تعبيرا عن ضرورة اقتصادية خالصة. فقد اقتسمت الدول الأوروبية البلاد الضعيفة، في مطلع الرأسمالية بكل وقاحة واستهتار. فكان لبريطانيا الهند وبورما وجنوب أفريقيا ومصر والسودان وغيرها.. ولفرنسا الهند الصينية والجزائر ومراكش وتونس ومدغشكر وغيرها من المستعمرات، وكان لألمانيا