النظام الاجتماعي الذي تتزعم الماركسية الدعوة اليه، وقيادة الإنسانية إلى تحقيقه. فالماركسية تقف في المادية التاريخية، موقف العالم الطبيعي من قوانين الطبيعة. وتقف بصفتها المذهبية، موقف الدعوة والتبشير.
وبالرغم من هذين الوجهين المختلفين للعلم والمذهب، فإن الصلة وثيقة جدا بين المادية التاريخية والماركسية المذهبية. لأن المذهب - الذي تتبنى الماركسية الدعوة إليه - ليس في الحقيقة إلا تعبيرا قانونيا، وشكلا تشريعيا لمرحلة معينة من مراحل المادية التاريخية، وجزءا محدودا من المنحنى التاريخي العام، الذي تفرضه حركة الإنتاج الصاعدة، وقوانين تطوره وتناقضاته. فالماركسية حين تتقمص ثوب الداعية المذهبي، إنما تعبر بذلك عن الحقيقة التاريخية لتلك القوانين. فهي لا تنظر الدعوة إلا بوصفها تنفيذا لإرادة التاريخ وتحقيقا لمقتضيات العامل الاقتصادي، الذي يقود القافلة البشرية اليوم نحو مرحلة جديدة هي المرحلة التي تتجسد فيها مخططات المذهب الماركسي.
ولهذا السبب كان يطلق ماركس على مذهبه اسم: (الاشتراكية العلمية)، تمييزا لها عن سائر الإشتراكيات، التي عبر أصحابها فيها عن اقتراحاتهم ومشاعرهم النفسية، وليس عن الضرورة التاريخية وقوانينها، فصاغوا مذاهبهم بعيدين عن الحساب العلمي ودراسة القوى المنتجة ونموها.
وفي المذهب الماركسي مرحلتان تطالب الماركسية - من ناحية مذهبية - بتطبيقهما تباعا، وتؤكد - من ناحية المادية التاريخية - على ضرورتهما التاريخية كذلك، وهما المرحلة الاشتراكية، ثم الشيوعية. فالشيوعية تعتبر - من وجهة رأي المادية التاريخي - أعلى مرحلة من مراحل التطور البشري. لأنها المرحلة التي يحقق فيها التاريخ معجزته الكبرى، وتقول فيها وسائل الإنتاج كلمتها الفاصلة. وأما المرحلة الاشتراكية التي تقوم على أنقاض المجتمع الرأسمالي، وتحتل موقع الرأسمالية مباشرة، فهي: من ناحية تعبر عن الثورة التاريخية المحتومة على الرأسمالية حين تأخذ بالاحتضار، ومن ناحية أخرى تعتبر شرطا ضروريا لإيجاد المجتمع الشيوعي، وقيادة السفينة إلى شاطئ التاريخ.