فإذا تصرفت معي بهذه الطريقة.. فإن ذلك سوف يكون دافعا لشماتة الأعداء بي.. لأنني قاومتهم وجابهتهم.. وها هم يرونني أمامك واقفا وقفة المذنب من دون ذنب.. فلا تفعل بي ذلك {ولا تجعلني مع القوم الظالمين} لأني قمت بما اعتقدت أنه مسؤوليتي من دون تقصير..
وشعر موسى بالحرج.. وسكن غضبه.. فرجع إلى الله يستغفره، لنفسه ولأخيه، لا لذنب ارتكباه.. ولكن للجو الذي ابتعد فيه القوم عن الله، من خلال الفكرة التي كانت تلح عليهما.. فيما لو كان الاحتياط للموقف أكثر، فقد تكون النتائج أفضل.. " " وتبقى لفكرة العصمة.. بعض التساؤلات، كيف يخطئ هارون في تقدير الموقف، وهو نبي.. أو كيف يخطئ موسى في تقدير موقف هارون، وهو النبي العظيم، وكيف يتصرف معه هذا التصرف.. ولكننا قد لا نجد مثل هذه الأمور ضارة بمستوى العصمة.. لأننا لا نفهم المبدأ بالطريقة الغيبية التي تمنع الإنسان من مثل هذه الأخطاء في تقدير الأمور.. بل كل ما هناك، أنه لا يعصي الله في ما يعتقد أنه معصية، أما أنه لا يتصرف تصرفا خاطئا يعتقد أنه صحيح ومشروع.. فهذا ما لا نجد دليلا عليه.. بل ربما نلاحظ في هذا المجال حياتهم العملية.. قد يؤكد الحاجة إلى الإيحاء بأن الرسالية لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري في الخطأ في تقدير الأمور.. والله العالم بأسرار خلقه.. " (1) " ربما كانت القضية على أساس أنه اعتبر أن هارون قصر، وليس من الضروري أن يكون تقصيره معصية.. " " هارون عنده تقييم معين للمسألة، وانطلق فيها من حالة أنه قال: {إني خشيت أن تقول: فرقت بين بني إسرائيل}، ولهذا واجه القضية بطريقة لينة.
وكان موسى (ع) يعتقد على أنه لازم تواجه القضية بقوة، لأن بني إسرائيل لا يفهمون إلا بلغة القوة.. إلخ " (2)