السافل من وجوداتها وليس شرطا لكمال هويتها وتمام وجودها، وإلا لزالت بزواله واللازم باطل، لما سيمر عليك من البراهين العقلية والآيات الكريمة والأحاديث المأثورة الدالة على وجودها بعد البدن.
وحري بمن أذعن بإبقاء النفوس الناطقة المتصرفة بالبدن واتصالها بالعالم الأعلى على ما هي عليه من دون تجدد وإيجاد، أن يذعن بمسألتنا، لأن حال الإعادة كحال الابتداء في صعوبة الدرك وسهولته، فإذا صح أحدهما صح الآخر ويمكن الإشارة إلى هذه المقايسة بقوله تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده) وقوله تعالى: (كما بدأناكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) وقوله: (هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده).
ومن تتبع الكتب الأساسية لسير الحكمة يجدها مشبعة بما ذكرناه من أن للنفس الناطقة كينونة قبل البدن ووجودا في العالم الأعلى وهبوطا منه إلى عالم الطبيعة. ويمكن الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى: (إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين). وبالأحاديث النبوية منها قوله (ص): (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) وقوله: (نحن السابقون اللاحقون) وقوله: (إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام).
ويقول سيد الوصيين علي بن أبي طالب (ع): (رحم الله امرأ عرف من أين وفي أين وإلى أين) فإن قوله: (من أين) إشارة إلى حال النفس قبل عالم الجسم. والأحاديث الواردة في ذلك عن أئمتنا المعصومين كثيرة.
قال صاحب (الأنوار النعمانية): (الأخبار الدالة على أن الروح مخلوقة قبل البدن بألفي عام أو أكثر على ما وردت به الأخبار، مستفيضة بل متواترة حتى لا يبقى الريب في تقدمها). وعلى ذلك ينزل قول الشيخ الرئيس في قصيدته الشهيرة: