وما عشت من بعد الأحبة سلوة * ولكنني للنائبات حمول وما شرقي بالماء الا تذكرا * لماء به أهل الحبيب نزول يحرمه لمع الأسنة حوله * فليس لظمان إليه سبيل من قصيدة اخترع أكثر معانيها وأحسن صياغة ألفاظها فجاءت مطبوعة مصنوعة، وجاء في مديحها بأبيات يكثر فيها المختار الجيد المخترع المعنى، ثم اعترضته تلك العادة الذميمة فقال في سيف الدولة:
أغركم عرض الجيوش وطولها * علي شروب للجيوش أكول إذا لم تكن لليث الا فريسة * غداه ولم يمنعك أنك فيل ثم أتى بما هو أطم منه حتى قال الصاحب: انه من أوابده التي لا يسمع طول الأبد بمثلها فقال:
إذا كان بعض الناس سيفا لدولة * ففي الناس بوقات لها وطبول وقال الصاحب: وهذا التحاذق كغزل العجائز قبحا ودلال الشيوخ سماحة، ويقول بعده:
فان تكن الدولات قسما فإنها * لمن ورد الموت الزؤام تدول قال الصاحب: قوله الدولات وتدول من الألفاظ التي لو رزق فضل السكوت عنها لكان سعيدا قال وله بيت لا يدرى أ مدح القائل به أم رقاه وهو:
شوايل تشوال العقارب بالقنا * لها مرح من تحته وصهيل فلم يرض بان سرق من بشار قوله:
والخيل شايلة لشق غبارها * كعقارب قد رفعت أذنابها حتى ضيع التشبيه الصايب بين ألفاظ كالمصايب والذي لا امتري فيه ان عالما من المناضلين عنه عندهم ان شوايل تشوال أبدع في صفة الخيل من قول امرئ القيس:
له أيطلا ظبى وساقا نعامة * وارخاء سرحان وتقريب تنفل ومما جمع فيه بين الدر والبعر في سلك واحد قوله:
لك يا منازل في القلوب منازل * أقفرت أنت وهن منك أواهل وهو ابتداء حسن ومعنى لطيف، ثم قال:
وانا الذي اجتلب المنية طرفه * فمن المطالب والقتيل القائل ثم اتى بمعنى بديع لكنه عبر عنه بلفظ قلق معقد فأفسده فقال:
ولذا اسم أغطية العيون جفونها * من أنها عمل السيوف عوامل ثم قال وجاء بالمليح:
دون التعانق ناحلين كشكلتي * نصب أدقهما وضم الشاكل اي قرب بعضنا من بعض ولم نتعانق خوف الرقيب، ثم قال فاحسن:
للهو آونة تمر كأنها * قبل يزودها حبيب راحل جمح الزمان فما لذيذ خالص * مما يشوب ولا سرور كامل حتى أبو الفضل بن عبد الله * رؤيته المنى وهو المقام الهائل وقال ابن جني وهذا خروج غريب ظريف حسن ما اعرفه لغيره، ثم قال فجمع أوصافا في بيت واحد:
للشمس فيه وللرياح وللسحاب * وللبحار وللأسود شمائل ثم قال وتحذلق وتبرد وأفسد ما أصلح:
ولديه ملعقيان والأدب المفاد * وملحياة وملممات مناهل اي من العقيان ومن الحياة ومن الممات فخفف بحذف النون ومثله وارد في كلام العرب وهو معنى حسن بلفظ بارد فاسد، وانما ألم في صدر هذا البيت بقول أبي تمام: نأخذ من ماله ومن أدبه ثم قال:
علامة العلماء واللج الذي * لا ينتهي ولكل لج ساحل ثم قال فأحال:
لو طاب مولد كل حي مثله * ولد النساء وما لهن قوابل قال القاضي أبو الحسن الجرجاني: ان طيب المولد لا يستغنى به عن القابلة، وان استغنى عنها كان ما ذا وأي فخر فيه وأي شرف ينال به، ثم توسط وقارب فقال:
ليزد بنو الحسن الشراف تواضعا * هيهات تكتم في الظلام مشاعل ستروا الندى ستر الغراب سفاده * فبدا وهل يخفى الرباب الهاطل على أن التشبيه بستر الغراب سفاده لا يخلو من بشاعة فيما ارى ثم قال وتوحش وتبغض ما شاء الحاسد:
جفخت وهم لا يجفخون بهابهم * شيم على الحسب الأغر دلائل يقال. جفخ وجخف اي بذخ وافتخر فكرر لفظ الجفخ أو الجخف وجعل العاملين متتاليين والمعمولين كذلك فزاد في الاستكراه وكان يمكنه ابدال الجفخ بالفخر لأنه بمعناه، فقد قرن هذا الصدر البغيض الموحش إلى عجز في غاية الجودة، قال الصاحب ومما دلنا به على حفظ الغريب هذا البيت، وليس هذا الا كلام صبية، وقال الحماسي وهو تأبط شرا:
يظل بموماة ويمسي بغيرها * جحيشا ويعروري ظهور المسالك وكان يمكنه أن يقول فريدا بدل جحيشا لأنه بمعناه ولكنه اعدر من أبي الطيب لان الغرابة في لسان العرب أهون منها في لسان المولدين ثم قال:
فافخر فان الناس فيك ثلاثة * مستعظم أو حاسد أو جاهل قال الثعالبي اي يا هذا أفخر فحذف المنادى وتباغض وتبادى وأقول لا داعي لحذف المنادى فالكلام تام بدونه ولا أراه تباغض ولا تبادى، ثم قال وتباغض وجاء بشعر بارد:
لا تجسر الفصحاء تنشد ههنا * شعرا ولكني الهزبر الباسل ثم قال وأرسله مثلا سائرا وأحسن ما شاء:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي باني كامل ثم قال وتعسف وتكلف:
الطيب أنت إذا أصابك طيبه * والماء أنت إذا اغتسلت الغاسل تقديره الطيب أنت طيبه إذا أصابك والماء أنت غاسله إذا اغتسلت به، وإذا صح لنا ان نقول الطيب أنت طيبه لأنك أطيب منه ريحا فلا يصح لنا ان نقول أنت تغسل الماء لأنك أنظف منه فان ذلك غير مستملح، وانما ألم فيه بقول القائل:
وتزيدين طيب الطيب طيبا * ان تمسيه أين مثلك أينا