ما لم يكن قائلا في الفخر ها آنذا * ولم يكن قائلا بالأمس كان أبي كالأوحدي الفتى المهدي من سمكت * اقدامه ساميات المجد والرتب مولى حوى كل فضل في الوجود فلم * يترك على ظهرها فضلا لمكتسب وعالم علم سامي الذرى أخذت * من علمه علماء العجم والعرب هذا الثناء وما أوفيت حق أخي * مجد تجلى على الأيام من كثب لله من كوكب باد وبدر على * هاد وبحر بموج الفضل مضطرب من معشر ضربوا للمجد أخبية * بالنيرات غدت مشدودة الطنب هم هم القوم كل القوم ان ذكروا * في الناس لم تلف منهم غير منتجب بحور فضل فما في الكون من أحد * الا استمد الندى من مدها اللجب وهاكها يا كريم الخيم قافية * تزري قلائدها باللؤلؤ الرطب ما شام بارقها السامي أخو حنق * أحشاه من حسد مسعورة اللهب فليس بدعا إذا ما قال ناظمها * انا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ما التبر والتبن في شرع النهى شرع * وفي الحمية معنى ليس بالعنب هل يجهل الفرق ما بين الفريد على * جيد المهاة وبين الزبرج الكذب عطفا أبا صالح فالعطف من شيم الأمجاد * واسلم مدى الآباد والحقب وقال في مجموعة بخطه تحوي شعره ونثره: لما ورد الوزير الأعظم محمد نامق باشا والي إيالة بغداد ومشير أوردي الحجاز والعراق إلى النجف الأشرف أجمع رأي العلماء ان يفدوا بأجمعهم إليه ويهنؤوه بما فتحه الله على يديه وذلك بعد فتحه لقلاع الهندية واستيلائه على ذلك الرستاق الذي تمهد بتمهيده قطر العراق سنة 1267، وكنت أحد الوافدين إلى حضرته فأنشدته هذه الأبيات التي وقعت منه موقع القبول وهي:
أقام الله فوق أبي خليل * رواق المجد ممدود السرادق ومكن سيفه من كل باع * عنيد عن طريق الرشد مارق ولا ينفك محروس المعالي * بعين الله مأمون الطوارق ومحفوفا باجناد عليها * لواء النصر عمر الدهر خافق وزير ذو مناقب قد تغنت * بها أهل المغارب والمشارق فكم اسدى إلينا من اياد * هي النعم السوابغ في الخلائق وكم جلى ظلام الظلم عنا * بسمر الخط والبيض البوارق أطل على العراق وكان وعر * المسالك جم مزدحم البوائق وفيه للفساد أقيم سوق فسوق * ذوي المعاصي فيه نافق وللنفر العصاة به قلاع * ثلاث مشحنات بالبنادق فهب إليهم بمثار عزم * يدك جوانب الهضب الشواهق وجر لفل مجمعهم خميسا * بأمواج الردى والحتف دافق وهدم بالمدافع ما أشادوا * عشية قد رمتهم بالصواعق وقد شهدوا الغداة سعير حرب * تشيب لها من الفرق المفارق وفرسان النزال أتت تهادى * كأطواد على الجرد السوابق غدوا أيدي سبا ولهم قلوب * كأجنحة البغاث غدت خوافق وبانوا عن قلاعهم وقالوا * ثلاثا للثلاثة أنت طالق فاضحى الناس في دعة واضحت * مروج الأرض ممرعة الحدائق بها الأغصان ترقص والقماري * ترجع بالغنا والماء صافق وبتنا والورى في ظل عدل * المشير أبي الخليل على نمارق وكم من قائل: هل زال عنا * العناء فقلت قد اضحى مفارق وهل أمن الطريق؟ فقلت: لما * نجد أحدا له بالبغي طارق وهل بقي الشقاق؟ فقلت: كلا * أزيل فلا شقاق ولا مشاقق وهل بقي النفاق؟ فقلت: كلا * أبيد، فلا نفاق ولا منافق وهل فتح العراق؟ فقلت ارخ * أجل! فتح العراق بسيف نامق سنة 1267.
ولما (1) انتهيت إلى قولي: أجل فتح العراق بسيف نامق ابتهج وجعل يستعيد مني كل بيت أوله: وهل، ففعلت، فجعل يميس طربا وكلما استمنحت منه الاذن بالانصراف يقول اجلس. وكلفني عمل قصيدة أخرى في مدح السلطان وبيان حال ما انتهى إليه القطر العراقي في أيام ولايته، فأجبته بالامتثال وانا منطو من رجاء حبائه على أكبر الآمال، حتى إذا تصرم يومنا كالأمس وسمعنا صوت المؤذن وقد غربت الشمس أمر من كان بحضرته وهو أمير لواء أو فريق ان ائتنا بطست وابريق فغسل وجهه ويديه وخلل بكلتا سبابتيه أذنيه ومسح بباقي بلة كفه خفيه، ثم نهض قائما لصلاته ونهضت آيسا من صلاته وأنشأت بعد ذلك هذه القصيدة الثانية وأرسلتها إليه إلى بغداد وهي:
ارى طالع الأيام يفتر عن ثغر * كان عليه رونق الأنجم الزهر وسود الليالي رحن بيضا زواهرا * يمطن نقاب البشر عن أوجه غر وما في البرايا من مسود وسيد * سوى لاهج بالحمد لله والشكر ومبتهل يمسي ويصبح قائما * على قدم في السر يدعو وفي الجهر بتأييد خاقان الملوك عميدها * المجيد بن محمود المؤيد بالنصر خليفة رب العالمين وظله * على خلقه الممدود في البر والبحر وحامي ثغور المسلمين بهمة * عزائمها أربت على همم الدهر عزائم طول الدهر في جنب طولها * وما بينها والنجم اقصر من شبر فلو من أقاصي الغرب يسطو ببعضها * على الشرق امسى قابضا شفق الفجر ولو أنه يرمي الفضا بأقلها * لطارت جبال الخافقين من الذعر بها قصر دار الملك اضحى مشيدا * يماثل في احكامه هرمي مصر وممدود سرداق الخلافة لم يزل * من الله مقصورا على ذلك القصر مليك به الاسلام عز وقد علا * على الكفر والاسلام يعلو على الكفر وسلطان حق شيد الدين فاغتدت * به ملة الاسلام مشدودة الأزر حوى كل مجد في الوجود كأنما * له قد عنى من قال في سالف العصر تجمع فيه ما تفرق في الورى * من الجود والمعروف والفضل والفخر حياء ابن عفان وسطوة حيدر * وعدل أبي حفص وصدق أبي بكر وقد طبق السبع الأقاليم عدله * وعم البرايا فيض معروفه الغمر وساس الورى باللطف منا ولم * يزل أبر بخلق الله من والد بر تهاب سراياه الملوك كأنما * تسير المنايا قبلها أينما تسري وترجو عطاياه وترهب بأسه * فما برحت بين الرجا منه والحذر ويسري إليها الرعب قبل مسيره * فيقتادها من حيث تدري ولا تدري ولما رأى القطر العراقي شاكيا * لداء ثوى بين الجوانح والصدر تلافى بموفور المفاخر نامق * تلاف الردى والضر عن ذلك القطر وأنهى إليه الامر علما بأنه * أجل وزير قام بالنهي والامر له طب بقراط وقوة آصف * وحكمة لقمان ومعرفة الخضر يعالج بالآراء دار الشقا ولم * يعجل على الجاني بمصقولة تبري ويصدر عادي الخطب قبل وروده * ويكره ان يلقى ذوي الشر بالشر ويردع أرباب المعاصي عن الشقا * بقرع العصا في الأرض والزجر لا الجزر