يصير ما كان قليلا في الأول كثيرا في الثاني.
وما ذكروا من الأوزان فإنما هو الماء الخالد، وهو الذي قال فيه أغاثوذيمون (1): إن الماء الخالد إذا أصيبت حقيقة وزنه جعل خطا الذي لم يعرف وزنه صوابا.
ويسمون الثفل الذي يبقى بعد طلوع الماء الخالد بالزبل (2).
قول الحكيم: إن حجرنا مثلث الكيان، مربع الكيفية. يعني بالتثليث الماء المفرد والماء المركب والأرض، وبالتربيع البياض والخضرة والحمرة والسواد.
قول الحكيم: في أرض فارس وأرض مصر. أرض فارس هو (3) الطافي فوق لإشرافه (4) وعلوه، وأرض مصر هو الراسب لظلمته.
قول بليناس (5): تلك الحركات كانت في وسطه (6) أقوى منها في أطرافه وحدوده. يريد بذلك أن ما صعد في وسط التدبير من التركيب أكثر مما يصعد أولا وآخرا. أما أولا فلصلابة الجوهر، ولأنه معدني لم ينضج، وأما آخرا فلقلة الباقي ولكثرة ما صعد منه الماء. ولما قسموا الجوهر قسمين أعلى وأسفل سموا الأعلى والأسفل سوادا، الأعلى إن تم بياضا وسوادا كما سموهما سماء وأرضا، وروحا وجسدا، وماء ودهنا.
قول بليناس: فلما جاءت الحركات واختلفت الطبائع دخل بعضها في بعض، وقبل بعضها بعضا في بعض على قدر قوتها وانحلال بعضها في بعض، وازدواج بعضها لبعض، ولذلك أسرع بعضها في ولادته وأبطأ بعضها. أراد بذلك انحلال النفس من الجسد، وسمى المنحل طبائع، لأنها تنحل شيئا فشيئا، ثم ذكر في هذا الفصل ازدواج هذه الطبائع المنحلة وعلة سرعة بعضها وإبطاء بعضها، وذكر المواليد المولدة منها أولا فأولا، فيقال أخيرا لاجتماع الطبائع الثلاث عليه في تحليله وتعفينه أسرعت هذه الثلاث في الحركة للطافتها وتمت ولادتها قبل ولادة الأرض، فلما تم ما تولد من الماء والهواء وطلع (7) على وجه الأرض طلع على أثره ما تولد من الأرض بمعونة هذه الثلاث لها، وكان الشجر الذي لا ثمر له لشدة يبسه، فدل بهذا القول لكره (8) على كيفية انحلال الطبائع من الجواهر الأول، وتدرجها حالا فحالا، وشبهها في كل درجة بعنصر من العناصر البسيطة، أو نوع من الأنواع المركبة عنها، وابتدأ بالشجر الذي لا ثمر له، حتى صار إلى الإنسان الذي هو أشرف المركبات (9)، وذلك قوله وإنما طلع في آخره ما طلع من النبات، لأن القوى الأربع اجتمعت عليه ودفع كل واحد ضد منها ضده عن نفسه إلى أن أسلفوا ولد، والآن (10) هذه الطبائع الأربع أضداد، فلما اجتمعت (11) دفع كل ضد ضده فأبطأت في اجتماعها لدفع بعضها بعضا، فلما تمت وطلعت طلع بإزائها من الحيوان والإنسان وكل دابة تامة القوة طويلة الولادة مثل الفرس والبقر والأسد وغير ذلك، وصار الإنسان قائما في الهواء لاعتدال الطبائع الأربع فيه لأنه أتم المواليد كلها. هكذا تمت المواليد من الحيوان والنبات من الطبائع في ابتداء الخلقة من جميع الخليقة، فقد دل بهذا القول على كيفية الانحلال أولا، والامتزاج ثانيا، وطول المدة في تمام ذلك، وعسر الاجتماع والاتحاد في بدء الأمر.
قول القائل: الرطوبة مثلها، وبها تصبغ الأجساد. ليس يعني بها الرطوبة المائية، وإنما يعني بها الرطوبة المستخرجة من الأجساد التي هي أرواحها.
قول بليناس (12): المكان الذي كانت فيه الحركة معتدلة والسكون معتدلا أيضا مثل الحركة جزئين مستويين كان هناك خلق الإنسان، الذي هو أوسط الخلائق. يدل على أن المركب إذا صار روحه وجسده سواء فقد صار كثيرا. وهو الحملان الذي ذكره خال بن يزيد بن معاوية في شعره (13).
وكلما زاد الروح ازداد لطافة إلى أن يصير تسعة على واحد، وهي التسعة الأحرف التي ذكرها زوسيموس (14) في عدة مواضيع، وذكر أن أربعة منها لا صوت لها، وخمسة لها صوت. وإنما أراد بالصوت الصبخ، ولذلك قال آرس: كان الأمد في أول الأمر السواء بالسواء وهو قولهم آبار (15) نحاس اجعلها بالسواء. والآبار نحاس هو الخلط كله، وهو الذي قال فيه الحكيم: إنا لم نلق شدة في العمل أشد من المزاج حتى تزاوجت الطبائع واختلطت وصارت شيئا واحدا، فهو كلما دبر انقلب من لون إلى لون، ولكل لون طبيعة وقوة ولطف، وقد أفادته النار لأن يكون أولا دودة ثم حية تنينا، وكلما طبع بالرطوبة ازدادت ألوانه ازدهارا.
واعلم أن كل ما ذكروه من الأوزان فإنما هو المقايسة بين أرواح الأجساد وأثقالها، وهذه الأوزان إن تميزت في العمل فلا حاجة إلى وزنها، وإنما قالوا ذلك تضليلا وتحييرا للجهال كما قال جاماسب الحكيم في رسالته إلى بهمن بن أردشير: واعلم أن المركب لا يحمر حتى ينشف ماؤه ويجف. ويدل على